الأربعاء، 15 مارس 2017

الانفعالات المصاحبة في طقوس الزار



الانفعالات المصاحبة في طقوس الزار
د. آمال النور حامد

"ليس الذى ينفعل هو النفس أو االجسم بل الإنسان"
                                            أرسطو *
مقدمة
هناك عوامل شتى تؤثر على الممارسة السلوكية في طقوس الزار من بينها الجهد الجسمانى المبذول ذو الطبيعة الراقصة، الى جانب المنبهات الحسية التى تغمر أجواء الطقوس في سياق رمزي، ممارسة تدثرها كثافة عالية من انفعالات شتى سلبية وايجابية، يمكن وصفها بأنها تنبع من دافعية انفعالية مكتسبة لها جانبها الاداراكى والاجتماعى، ومصحوبة بعوامل حفز متنوعة، واعتقاد راسخ بجدوى الممارسة؛ انفعالات مستخدمة لغة الجسد باحثة عن الاثابة وذلك برضا الأسياد، وهروباً من غصبهم؛ ممارسة قد تقود بعنفها المميز الى درجة فقدان الوعى والدخول في عيبوبة. سبق أن أشرت في دراسة سابقة الى أن الانفعالات في طقوس الزار هى نوع من الانفعالات التى تذود الممارسة بدوافع إرادية تدفعها الى مواصلة الرقص، وذات قيمة تعبيرية. ومن جانبٍ آخر قد تضعف من إرادة الممارسة وقوتها النقدية وتساعد على تشتت ذهنها مما يجعلها عرضة للخضوع للايحاءات الذاتية وايحاءات الشيخة.

تتميز الطقوس بوجود منبهات حسية عديدة لها  تأثير ادراكى من جانب، و وجدانى من  جانب آخر كما أن التكرار والنمطية والرتابة في الايقاع والأغانى وصخب جماعة الزار يمكن أن تؤدى الى تكيف حسى مما يؤدي الى تحويل وعي الممارسة من البيئة الخارجية الواقعية الى بيئتها الداخلية مما يجعلها عرضة للحرمان الحسى والوقوع في حبائل الايحاء. فالانفعال والجهد المبذول متغيران لهما أهميتهما في طقوس الزار. التعبير الانفعالى يستخدم لغة الجسد وسيلة للتعبير وهى لغة غير ناطقة وأكثر عمومية، شعورية ولاشعورية، والأكثر صعوبة للفهم كونها "لغة تستخدم  بشكل لا شعورى وتعبر عن الجوانب الأكثر حقيقة من ذواتنا... مشاعرنا انفعالاتنا وحاجاتنا واتجاهاتنا .. وهى الاكثر أهمية في العلاقات الشخصية" (جلين ويلسن،167:2000
)

تعددت التعريفات لللانفعالات مع انعدام الاتفاق على تعريف أساسى لطبيعة المفهوم. نعلم ان الانفعالات تستثار عن طريق طائفة متنوعة من أنماط المثيرات فطرية ومتعلمة  ومواقف اجتماعية مختلفة. ذهب البعض لتعريفها من وجهة ذاتية، أي، وفقاً لاحساس الفرد بينما رأى البعض الآخر التركيز على التغيرات البدنية (خارجية وباطنية)، في حيت تؤكد غالبية الباحثين على الاستجابة بوصفها العنصر الرئيس في الانفعال. اهتم آخرون بإدراك الموقف الذى يستثير الانفعال وآثاره على السلوك. وعرفتها ليندا دافيدوف (480:1988) بأنها حالات داخلية تتصل بجوانب معرفية خاصة واحساسات، وردود أفعال فسيولوجية، وسلوك تعبيرى معين، وتنزع للظهور فجأة ويصعب التحكم فيها. وبعد أن فحصت ليندا دافيدوف طبيعتها صنفتها في ثلاث حالات : القلق، والغضب - العدوانية، والابتهاج. أما هنرى مورى فقد عرفها بأنها عبارة عن استجابات فسيولوجية وسيكولوجية تؤثر في الادراك والتعلم والأداء، ويعدها صنفاً من الدوافع ويقول بأن الانفعال هو عبارة عن دافع تمت استثارته من الخارج وتصاحبه تغيرات بدنية هامة. ويركز جورج ميللر (انظر: عبدالرحمن عيسوي،61:1974) على الخبرة والتغيرات الجسدية والسلوك (خبرة ذات شعور قوى، غالباً ما تصاحبها تغيرات جسدية مثل تغير الدورة الدموية، والتنفس، والعرق، وفي الغالب ما تصتحب أعمال قهرية عنيفة ويعدها مقابلة للهدوء والاسترخاء. ويركز سانفورد (انظر:عبدالرحمن عيسوى، مرجع سابق: 62) على تعقد الاستجابة الانفعالية وتداخلها مع السلوك.. "الانفعال هو استجابة معقدة يتضمن خبرة شعورية واستجابات داخلية وخارجيه، ويمكن ان يسهل أو يعرقل السلوك المدفوع". هكذا يتضح تعقد العملية الانفعالية التى تصاحبها الخبرة ويستجيب الفرد لها بكليتة. ويتفق العلماء النفسيون من الناحية الجسدية على حدوث تغيرات في الكيان العضوى، ومن الناحية النفسية هناك حالات من الاثارة تمتاز بقوة الشعور والرغبة في عمل سلوك معين.


سادت في الفكر الفلسفي حتى القرن التاسع عشر فكرة أن خبرة المرء للانفعال هى خبرة شعورية تتبعها التغيرت البدنية. شكك وليم جيمس في نهاية القرن التاسع عشر (انظر: ادوارد موراى 102:1988) في هذا الرأى مشيراً الى أن الخبرة الشعورية تعقب الاستجابة البدنية، بمعنى ان الانفعال هو  في الحقيقة ادراك للتغيرات في النشاطات الحشوية والعضلات الهيكلية، بمعنى آخر، الانفعالات هى نتيجة أكثر من مسبب للاستجابة الحشوية (1). تعرضت تلك النظرية لانتقادات ومن كبار نقادها والتر كانون (Cannon,1927) الذى قدم تلخيصاً للأدلة التى تبين أن الحيوانات التجربية والمرضى الذين تعرضوا لبتر الاتصالات العصبية بين الأحشاء والدماغ ظلوا يظهرون الغضب والخوف وغير ذلك من الاستجابات الانفعالية واقترح تفسيراً بديلاً للانفعال والتغيرات الجسدية وتلك هى النظرية الثلاموثية التى اقترحها بارد، وأصبحت تعرف بنظرية "كانون - بارد" في الانفعالات وتذهب الى أن العمليات العقلية والمخ لا بدَّ أن يسهما في الانفعال. حينما يواجه الإنسان موقفاً مثيراً للانفعال فإن الشحنة العصبية تسرى في المهاد Thalamus والبعض منها يذهب الى القشرة الدماغية cerebral cortex، حيث ينشأ الشعور بالخوف أو الغضب أو السعادة. بينما يذهب البعض الآخر الى ما تحت المهاد hypothalamus وتكوينات المخ الأوسط، حيث مركز التغيرات الفسيولوجية، فالانفعال هنا والاستجابات الفسيولوجية يتمان في الوقت نفسه. وبهذه الطريقة تحدث حالات التحفز المتشابهة استجابة لمختلف أنواع الاتصالات. لكن العمليات التى تحدث في القشرة الدماغية هى التى تمكننا من تحديد لماذا نشعر بتلك التغيرات الفسيولوجية. هذه النظرية وصفت  بالبساطة المفرطة لكن رغم ذلك فقد تأسست عليها أغلب النظريات اللاحقة.













الانفعالات في طقوس الزار يجوز وصفها انفعالات مدفوعة ذاتياً ومتعلمة ومشروطة، وتخضع لإرادة الممارسة وفيها الشعوري واللاشعوري. فالانفعالات تجسد سلوكاً تم تعلمه بفعل برمجة مسبقة، سلوكاً يرنو للاثابة تجنباً للتهديد من غضب الأسياد، وتنتمي الانفعالات الى عالم السلوك التعبيري المدفوع الذى يتصف بجوانب ادراكية وبردود أفعال جسمية (فسيولوجية). ونجد هذا السلوك معبراً عنه في بعض الخيوط مفعماً بالأحاسيس الايجابية التى تتسم بالتحرر من القيود (خيوط البنات، ولوليه)، وبالنشوة (خيوط الدراويش). يوجد كذلك نوع من الانفعالات الأخرى التى تتميز بالتوتر والقلق والخوف والعنف الذى يتجلى في ايذاء الذات (خيط الزرق)، وايذاء الغير (خيط نمر الكندو). فوق ذلك تحتوى ممارسة الزار على نوع من الانفعالات المرتبطة بالشعور بالخيلاء والعنجهية وحب السلطة (الخيوط التى تمثل الشخصيات السلطوية مثل الحكيم باشا، والخواجة، وملك الأحباش). مجمل هذه الانفعالات يتم التعبير فيها باللجوء الى حركات بدنية شاملة لكل أجزاء الجسم، والى تعبيرات في الوجه، والى الايماءات والاشارات الرمزية. كل تلك الحركات قد تشير الى وجود نمطية محددة في طقوس الزار لا بدَّ للممارسة من تعلمها واكتسابها عن طريق مداومتها ومشاركتها في مجتمع الزار.

للانفعالات في طقوس الزار شقين أولهما خارجي قابل للملاحظة وثانيهما داخلى قد يصعب قياسه. نتفق مع فرضية دونالد هيب (Hebb,1958) بأن السلوك عموماً يعتمد على نشاط قابل للملاحظة، وبأن الجهود المبذولة لفهم الآليات السلوكية تتطلب دراسة التغيرات الداخلية عن طريق الأدوات المتاحة ذلك أن السلوك القابل للملاحظة يحتوي على النشاط الإرادي والانعكاسي ويستبعد التغيرات في البيئة الداخلية أو في الجهاز العصبي الذى يسبق السلوك ويستدعيه. بالتالي فإن قياس الانفعالات في ممارسة الزار يتطلب تطوير قياس للتغيرات الجسمانية التى تحدث بفعل الممارسة. معلوم أن الجهود التى بذلت لقياس التغيرات الجسمانية المصاحبة للانفعال تمركزت الى حد بعيد حول التغيرات الجسمانية الفرعية مثل حرارة الجسم، والتغير في سرعة التنفس، والتغيرات في الافرازات الجسمية (العرق والبول) وفي الدم، وضغط الدم، وسرعة النبض، والتغيرات في الذبذبات الدماغية، هذا مع العلم بأن الانفعالات تختلف وتتباين باختلاف الأفراد وتباينهم من حيث شدتها وطبيعتها واستغراقها، وفي عتبات الاحساس.


معروف أن السلوك تتحكم فيه العمليات المعرفية كالاحساس والادراك والتخيل وما الى ذلك، كما وتتحكم فيه من جانب آخر العمليات غير المعرفية كالدافعية التى تقوم بتحفيز السلوك واستثارته. عموماً يوجد اتفاق عام بكون أن الدافع هو بمثابة عامل داخلي يستثير سلوك الإنسان ويحدد وجهة ذلك السلوك. وتسهم الاثارة الخارجية في الدافعية غض النظر عن اتجاه السلوك المدفوع، وتحتاج لنشاط الأنسجة الدماغية. كما وأن هنالك عوامل كثيرة تؤثر في السلوك المدفوع مثل الخبرات السابقة، والقدرات الجسمية، والموقفين البيئي والادراكي. وكان جللهورن لووفبوبرو (Gellhorn and Loofbourrow,1963) قد أشارا الى أن العمليات التى ترتكز عليها الدافعية قد أفضت الى بحث تحليلي على يد مجموعة من المتخصصين الذين اعتمدوا على دراسات اولدز (Olds,1960) أظهروا من خلاله أن نظام الاثابة والعقاب يعتمد على الدماغ المتوسط die encephalon والجهاز الحوفي (الليمبي) limbic brain. وبرز استنتاج من الدراسات في مجال الإدراك والاشراط بأن هذه العمليات هى نتاج للتفاعل بين البنيات القشرية cortical والفرعية للقشرة sub cortical والتى يقوم فيها الهيبوثلاموس بدور مهيمن. يوضح هذا مدى تأثير الانفعال على الفكر والفعل. فالادراك ليس بالعملية السلبية، لكنه يحتوي على انتقاء يرتكز على تجارب قديمة معدلة عن طريق الانفعالات. يؤيد بارسونس هذا الرأى قائلاً بأنه "يمكن التشكك فيما إذا كان الادراك منفصلاً كلياً عن النغمة الشعورية" (Parsons,1950)؛ وكذلك هوايت هيد الذى يقول بأن "قاعدة التجربة هى الانفعالات" (Whithead,1933).

اتفق العلماء المحدثون على أهمية الإدراك والخبرة في العملية الانفعالية، وأن التغيرات الفسيولوجية وحدها غير كافية لاثارة الانفعال بل يحتاج الأخير الى تقييم معرفي لوضعية المثير. تبدأ المعرفة بالادراك الذى له شقان في ممارسة الزار: أحاسيس وجدانية تتفاعل مع ايقاعات وأجواء احتفالية من جانب، وشق اعتقادي في نجاح تلك التقنية العلاجية التى تؤمن رضاء الأسياد وتمنح المريضة العافية والأمان النفسي من جانب ثانٍ. وتتفق الدراسة الحالية مع فرضية آرنولد (1971) وهى من الذين يعرفون الانفعال بمعنى الدافعية وترى أن مشكلة العلاقة بين الخبرة الانفعالية والتعبير الجسمي لا ينبغى أن ينصب التركيز فيها على التسلل (الانفعال التعبير الفعل) ذلك أن ليس كل انفعال يؤدي الى خبرة انفعالية، وترى ضرورة وجود ميكانيزم لتقدير الموقف قبل وقوع الاستجابة، ومن ثم تقترح التسلسل التالي: (1) الادراك، بمعنى الاستقبال المحايد للمثيرات الخارجية؛ (2) التقدير، أي، بمعنى الحكم على المثير من حيث الفائدة والنفع؛ (3) الانفعال؛ (4) التعبير عبر نمط من التغيرات الفسيولوجية المنظمة (الاقتراب أو الانسحاب) ويختلف باختلاف الانفعالات؛ (5) الفعل، فالانفعال يعقب التقييم المعرفي.



جانب آخر تجدر الاشارة إليه هو أن الحفز والاثارة يتمتعان بحضور مشهود في الأجواء الاحتفالية، كما أن لهما دور في زيادة التفاعل وفي التأثير على دافعية الممارسة وفي توجيه حالتها المزاجية. وكان دونالد هيب (Hebb,1958) قد تحدث عن الآليات أو المنشطات التى تثير الدافع، وهما وظيفة البواعث ووظيفة الاثارة أو الايعاز. ويعتقد بأن الآلية الفسيولوجية لهاتين الوظيفتين، الى جانب التغيرات في الحالة المزاجية، لهما تأثيرهما على الجهاز العصبي الذى يحدد السلوك. ومن المعلوم أن المزاج هو مجموعة من الرغبات أو الميول المصحوب باستعداد مسبق. وقد أشار محمد بن يونس (176-173:2002) الى أن الدراسات أظهرت أن مستويات مادة كيمائية تعرف بـ "السيروتونين serotonin" هى من المواد الدماغية المسئولة عن الاحساس بالراحة والاسترخاء (لذا أطلقت عليها تسمية "مادة المزاج"). ورأى ابن يونس أن هناك عوامل كثيرة تؤثر على مستويات تلك المادة كحالة الطقس، ونوعية الغذاء، وتقدم السن، والروائح. كما أنه أشار الى أن الباحثين توصلوا الى أن روائح بعينها يمكن أن تؤدي الى حدوث تغير في سلوك الفرد وتعتمد هذه العملية على نقل جزئيات الرائحة عبر الهواء لاحداث رد فعل دماغي. وبما أن أجواء الزار الطقوسية مشحونة بروائح "بخور الزار"، الذى يستخدم في مرحلتي التشخيص والمعالجة، بالاضافة الى مثيرات أخرى، فإن طرح فرضية أن يؤدى ذلك الى افراز تلك المادة وما يصحبها من تأثير على الحالة المزاجية، يكون أمراً يحمل قدراً من الموضوعية.

ناحية أخرى يتوجب الالتفات إليها تتمثل في الدوافع الانفعالية في طقوس الزار يجوز عدها آليات لاحداث التوازن عبر التحقيق الذهني الصوري في مخيلة الممارسة، فهى مثل الأحلام تشبع بها حاجاتها أو تفرغ عن طريقها الشحنات النفسية .. ويقال بأن توترات الحياة يتم التخلص منها عن طريق الأحلام. ويحتمل أن يكون لممارسة طقوس الزار وظيفة هيوميوستازية homeostasis لاستباب الأمن الحيوي الذى يقلقه عنف الأداء وما يصحبه من انفعالات. تتسم طقوس الزار بالنمطية والتكرار سواء في الحركة والايقاع أو في طول الفترة الزمنية مع وجود الاثارة الانفعالية التى يمكن أن تقود الى ترهل الحواس مما قد ينتج عنه قلة التركيز وربما حرمان حسي. وكنت قد لاحظت، خلال دراسة ميدانية أن بعض المريضات كن يحملن جمراً في أكفهن، وأن أخريات كن يتحملن الضرب بالسياط دون أن تبدو عليهن أية آثار دالة على الألم. وكان الطبيب النفسي ريكان إبراهيم (93-92:2001) قد فسر مثل تلك الظواهر بأنها لحظات تسامي معتمداً في تفسيره على دراسة هواة الفلسفة الشرقية في معهد ستانفورد لظاهرة التخشب الجسمي الذى يمارسه العديد من كهنة المعابد في الهند، أو ظاهرة التصوف وايذاء الذات بدون الاصابة بخدوش أو جروح. وافترض ريكان أنه في حالة اجراء تخطيط كهربائي دماغي لمتصوف في لحظة تساميه لأعطى رسم الدماغ اشارات موجية سريعة ذات فولتية عالية في مناطق الحركة في الدماغ، وانخفاض كبير ،من جانب آخر، في الفولتية وتباطوء في الموجات في مناطق الحس فيه. كما وأشار ريكان (المرجع السابق: 21-23) الى أن عملية الاسترخاء تحدث أسرع مع شخص يعرض لحرمان حسي أكثر من لو كانت حواسه طليقة. فتأثيرات الحرمان الحسي متشعبة ومتعددة. ويقول ريكان في هذا الصدد بأنه قد ثبت أن الاستجابة الجلدية لتيار كهربائي "الفعل المنعكس السيكوجلفاني" تقل تدريجياً كلما زادت فترة الحرمان الحسي، كما وتزيد كمية الأدرينالين والنورأدرينالين في البول، وترتفع نسبة الهورمونات المغذية للغدة الدرقية. ويقول سيريل بيرت (26:1985) عن حالة هذه التغيرات الانفعالية الغريبة أنها يمكن أن تلج باب ذخيرة كبيرة من النشاط العقلي، وهى حالة لا نستطيع الوصول إليها في الأحوال العادية.

عامل آخر له أهمية بالنسبة للدراسة الحالية هو علاقة الانفعال بالضغوط النفسية والاجهاد التى هى من السمات المميزة لطقوس الزار. فالضغط النفسي وفقاً لهانز سيلي (Selye,1947) يمثل استجابة غير محدودة من جانب الفرد كرد فعل لأي مطلب يواجهه. ورأى أن الاستجابة الجسمية تحصل في ثلاث مراحل: مرحلة الانذار (أو الاستنفار) للشدائد العصبية أو الضغوط النفسية التى يتعرض لها الجسم محدثة فيه تغيرات، وفي حال استمرارها تؤدي الى مرحلة تالية، وهى ما يعرف بمرحلة المقاومة التى يحاول فيها الجسم التعويض وتوطين نفسه على التعايش معها؛ في حالة الفشل فإنه يصل الى المرحلة الثالثة وهى مرحلة الانهاك. لعل هذا ما يحدث في ممارسة الزار. وقد أظهرت دراسات لاحقة مستندة على أعمال سيلي تأثير الاجهاد علىالحيوانات التجريبية والإنسان (مثل الحروق، والجروح في الجسم، والتعرض للبرد أو الحرارة، واثارات مؤلمة وما الى ذلك)، ودللت نتائجها على وجود تأثيرات متشابهة وصفت بأنها تغيرات تشريحية فادحة وفجة بخاصة في جهاز الغدد الصماء endocrine system  والقشرة الأدرينالية adrenal cortex التى حدث فيها تضخم، في حين أظهرت الغدة الصحترية thymus gland والغدد الليمفاوية نقصان في الحجم (للمزيد انظر: Gellhorn and Loofbourrow,1963:211-221).





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق