الأربعاء، 15 مارس 2017

في أثر الرعاة المبكرين


أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســـودانية


مجلة الآثار السودانوية/ العدد الثالث/ أغسطس 2002
On the Tracks of the Early Herdsmen
Rudolph Kuper
في أثر الرعاة المبكرين
رودولف كوبر
ترجمة د. أسامة عبدالرحمن النور
فرضية أساسية لمشروع البحث تكمن فى افتراض ان تاريخ القارة فى مجمله حُتم بصورة نهائية بفعل بداية الجفاف الذى أصاب الصحراء حوالي 5.000 ق.م. وفرت التحركات السكانية التى حفزها هذا الجفاف دوافع أساسية لنشوء المدنية الفرعونية فى وادي النيل. أثرت هذه العملية بدورها على توزيع السكان واللغات الى يومنا فى مجمل القارة بصورة أساسية بحيث يجوز للمرء عد الجفاف الذى ضرب الصحراء والنتائج الايكولوجية التى نجمت عنه، بالتالي، قوة دافعة فى تاريخ أفريقيا.


منذ بداية الستينات قام علم الآثار الافريقية بدور أساسي فى البحث بجامعة كولون. فى هذا الوقت أسهمت معاهد الدراسات الافريقية وعلم آثار ما قبل التاريخ بجهد مشترك لتسجيل الفن الصخري لجنوب افريقيا. فى عام 1989 تم تأسيس معهد هاينرخ- بارث لآثار أفريقيا وتاريخها، والذى أصبح حالياً معهداً للآثار واللغات الى جانب علم النبات، والجغرافيا، والمصريولوجيا، والتاريخ، والاثنولوجيا فى مشروع تكاملي طويل المدى.

الهدف هو معرفة الكيفية التى كيَّف فيها الناس الاقتصاد ونمط الحياة للظروف الايكولوجية القاسية فى الصحارى وشبه الصحارى الافريقية خلال العشر ألف سنة الماضية بالنظر الى العلاقة بين التطور المناخى والثقافي. اللافت للانتباه هو السبل التى تلاءم فيها الناس مع الظروف القاسية، وكيف أثروا فيها من جانبهم، وأى من إستراتيجيات البقاء طوروا فى تلك المناطق حتى يومنا هذا. يضع إختيار مصر، والسودان، وناميبيا مجالات العمل الرئيسة فى شمال شرق أفريقيا وجنوبها الغربي نقطة مركزية للبحث. تمَّ تنفيذ ذلك لتمكيننا من إجراء مقارنة عبر قارية شاملة بهدف تحديد الاختلافات والتماثلات فى السلوك الإنساني الى جانب تبيان العلاقات الثقافية التاريخية الكامنة.

فرضية أساسية لمشروع البحث تكمن فى افتراض ان تاريخ القارة فى مجمله حُتم بصورة نهائية بفعل بداية الجفاف الذى أصاب الصحراء حوالي 5.000 ق.م. وفرت التحركات السكانية التى حفزها هذا الجفاف دوافع أساسية لنشوء المدنية الفرعونية فى وادي النيل. أثرت هذه العملية بدورها على توزيع السكان واللغات الى يومنا فى مجمل القارة بصورة أساسية بحيث يجوز للمرء عد الجفاف الذى ضرب الصحراء والنتائج الايكولوجية التى نجمت عنه، بالتالي، قوة دافعة فى تاريخ أفريقيا.

تحتم الزراعة وفى المقام الأول الرعي أساس الحياة الإنسانية وشكلها فى أجزاء كبيرة من القارة الافريقية. يصبح ذلك بصورة خاصة بالنسبة لمناطق جافة واسعة والتى تغطى أكثر من ثلث مجمل القارة. هنا بالتحديد طور الرعاة البدو إستراتيجيات إعاشة على مدى آلاف السنوات ساعدت فى تكييف نمط الحياة الإنسانية لمواجهة تحديات بيئة قاسية.

يُظهر التاريخ المعروف للظهور المبكر لتدجين الحيوانات فى أجزاء مختلفة من القارة فارق زمني من الشمال الشرقي عن الجنوب الغربى. المؤشرات الدالة على تدجين الأبقار فى صحراء مصر الغربية بحوالى فترة مبكرة من الألفية التاسعة ق.م.، غض النظر عن الخلاف بشأن ذلك، تبدو صحيحة وفق إختبارات الدنا DNA الحديثة. الأدلة الأكثر قدماً من السودان تؤرخ على كلٍ بالألفية الرابعة، ومن شرق افريقيا بالألفية الثالثة ق.م. فى منطقة رأس الرجاء فان الأبقار تظهر بعد عدة مئات من السنوات بعد الخراف والماعز، والتى أظهرت نفسهابحوالى بداية العصر المسيحى. هذاالمسار الإفتراضى "لبداية إنتاج الطعام" فى افريقيا حتمته حقيقة ان الخراف والماعز، خلافاً للأبقار، لم يكونا نوعان محليان بالنسبة لافريقيا. إذا استبعد المرء فرضية المعبر عن طريق المحيط الهندى، وهو ما لاتوجد مؤشرات دالة عليه، فان النوعين يكون قد وصلا مدجنين من الشرق الأدنى الى شمال افريقيا ومن هنا بدأت رحلتهما الطويلة على امتداد القارة.

تحديداً خلال أزمان التحول الثقافى الأشد، فى بداية الهولوسين، حدثت إعادة تعمير الصحراء الليبية فى شمال القارة والتى تعد عموماً أحد أكثر أقسام ماقبل تاريخ العالم القديم إثارة، بعد الإمتداد أبعد الى الجنوب فى نهاية عصر الجليد أصبحت الظروف الحياتية فى الصحراء أكثر عدوانية مما هى عليه اليوم. فى حوالى 12.000 سنة مضت تحسنت الظروف ومع صحوة الحيوانات والنباتات ادعى الناس الصحراء ملكاً لهم مجدداً. إنطلاقاً من هذه الخلفية يجد علماء الآثار أنفسهم فى موقع نقطة بداية مذهل يمكن مقاربته بذلك الذى يجد فيه عالم الأحياء القادر على ملاحطة ظهور الحياة على جزيرة بركانية جديدة آخذة فى الظهور من البحر. فى حالة الصحراء الشرقية فان مجمل العملية واضحة بمافى ذلك نهايتها ولذلك فان موضوع الإستقصاء محدد للغاية زمانياً. فى أيامنا هذه فان الصحراء الليبية فيما بين واحة الخارجة ووادى هور وفيما بين الكفرة ووادى النيل- وهى مساحة 720.000 كيلومتر مربع، ضعف مساحة المانيا- خاوية من الحياة الإنسانية مرة ثانية.

كان أصل هذا الطور المسمى النيوليتى- الرطب، تحسن مناخى ما كان فى الواقع لا "رطباً" ولا "نيوليتياً" وفق كل المعطيات المناخية والنباتية المتوفرة، موجود فى الجزء الجنوبى للصحراء. قطعاً فان أمطار المونسون التى نبدأ هنا انتشرت نسبياً بسرعة بإتجاه الشمال. النتائج الأكثر حداثة من أعمال التنقيب فى بحر الرمال الكبير لغرب مصر يضع إعادة تعمير هذه المنطقة الأشد جفافاً فى منتصف الألفية التاسعة ق.م. يقدم هذا تاريخاً بعدة مئات قليلة لاحقة بعد وقوع هذا التحول الجذرى فى الأجزاء الجنوبية للصحراء. كانت مواقع الإقامة الى أخضعت للدراسة تقع كلها على ضفاف منطقة بحيرات مؤقتة التى نشأت فى قاع الرمال المتحركة التى تكونت بنهاية البليستوسين. ورغم ان القليل فقط من البقايا النباتية والحيوانية تم تأريخها الى الآن، فان الأدوات الحجرية الإيبى باليوليتية تشير الى ان السكان المبكرين وصلوا الى هذه المنطقة رعاة وجامعين للطعام.

قد لا يكون مهماً ذكر حقيقة عدم العثور على أى فخار هناك فى تلك المواقع لولا اكتشاف فخار متطور بأسلوب الخطوط المتموجة فى جبل نبتا بالقرب من بئر كيسيبا وفى الجلف الكبير على بعد حوالى 300 كيلومتر فقط أبعد الى الجنوب. هنا كما هو الحال فى مواقع أخرى إمتداداً من وادى النيل السودانى حتى مالى يؤرخ الفخار بالألفية التاسعة ق.م. اللافت للإنتباه انه لا يوجد من بين تلك المواقع موقعاً يحتوى على أية خصائص أخرى مميزة للنيوليتى. غالباً بتوجهها نحو الماء فانها قد تشير الى نمط حياة يقوم على صيد الأسماك وجمع الطعام.

لماذا؟ وماهو؟ التحول الذى أصاب حياتهم الإقتصادية والإقتصادية ودفع بالسكان الى الهجرة من مواقع إقامتهم، والى من خلفوا معرفتهم بالإنجازات مثل تقنية تصنيع الفخار؟ وبأى طريق تم الإنتقال الى الرعوية؟ تلك هى الإشكالات الأساسية للبحث فى مجال ماقبل تاريخ المنطقة. بصورة عامة هناك نزعة بإتجاه تموذج افريقى لهذاالتحول الثقافى الجذرى يختلف عن النموذج التقليدى الخاص ببداية إنتاج الطعام والذى يعنى الإنتقال من الصياد والجامع للطعام المتنقل الى مزارع مستقر منتج للفخار. غيَّر صائدوا الأسماك والجامعون المرتبطون محلياً والذين انتجوا الفخار نمط حياتهم ونمطهم الإقتصادى بالإنتقال الى حياة البداوة الرعوية. قاد البحث الآثارى للنباتات Archaeobotany الى الإستنتاج بان السافانا فى ذلك الوقت وفرت كميات من الحبوب البرية. فقط تناقص هذا المورد وتكدس السكان فى مناطق الواحات ووادى النيل قاد الى تطور المدنية.

يرتبط إدخال زراعة الحبوب فى العالم القديم إرتباطاً وثيقاً بإشكالية عما إذا كان هناك تحول فى أمطار الشمال الشتوية الى الجنوب بما يوازى تحول أمطار المونسون، وأين تقع الحدود بين الاثنين. هذه المسألة أساسية لاستصدار أى حكم بشأن الصلات المحتملة بين شمال شرق افريقيا، والشرق الأدنى، والبحر الأبيض المتوسط. الصلات مع الشرق الأوسط يشير اليها ظهور الخراف والماعز فى بداية الألفية السادسة ق.م.، واحتمالاً أيضاً بعض أساليب الفخار غير المزخرف فى الصحراء الليبية الشمالية. فى الوقت نفسه فان بعض الخصائص الفنية المستخدمة فى إنتاج الأدوات الحجرية تأخذ فى الظهور، على سبيل المثال الرتوش الوجهى، والتى تصبح عناصر مميزة للنيوليتى فى مصر ولمصر الأسرية بعد عدة مئات السنوات. تبدو التأثيرات الشمالية والجنوبية وكأنها قد التقت فى مكان ما بالقرب من خط عرض الواحة الداخلة. هنا نجد سمات مميزة للمنطقتين، على سبيل المثال، رؤوس اسهم جيدة الرتوش من الشمال وفخار غنى بالزخرف من الجنوب بدون ان نستطيع قول شئ محدد بخصوص إمتداد الوقت ختى الآن. على كلٍ فان تطوراً عاماً مرئياً يخلق فيه التداخل بين النزعات الافريقية والشرق أوسطية الشروط النيوليتية المسبقة لاصول المدنية الفرعونية. هذا التطور الذى يتكرر فيما بعد فى أصل الدولة المصرية بفعل العناصر الثقافية الجنوبية والشمالية يقع بداية فى "السافانا الغربية"، وبعد جفافها فى حوالى 5.000 ق.م. تتزايد تلك العناصر فى وادى النيل. هل يشير ذلك الى ان مصر ليست فحسب هبة النيل، كما كتب هيرودوت، لكنها أيضاً هبة الصحراء؟

وفق ما يربو على 500 تاريخ راديوكاربونى (C14) تناقص سكان أجزاء كبيرة من الصحراء الليبية الشمالية فى الألفية السادسة ق.م. فى حين استمر الجنوب يوفر شروط حياى بخاصة للرعاة لعدة الاف السنوات. أولئك الرعاة ورد ذكرهم عدة مرات فى المصادر المصرية القديمة. عادة ما يشار اليهم بأنهم لاجئين بيئيين بفعل الجفاف المتزايد باحثين عن ملجأ فى وادى النيل- عادة بلا جدوى.

وادى هور، وهو نهر جاف يمتد طوله الى 1.000 كيلومتر، كانت له أهمية خاصة منطقةً للإقامة والتبادل التجارى علىالحدود مع السهل- يتجه من جبال انييدى الى بحيرة نشاد الى النيل الى الجنوب من دنقلا واحتفظ بأهميته بلا شك منطقةً إتصال بين دواخل افريقيا ووادى النيل حتى أزمان قريبة. الإقليم الأأسفل للوادى الذى يمتد قرابة 400 كيلومتر من جبل رحيب شرقاً الى النيل لم يعلم بعد حتى فى أكثر الخرائط حداثة. الدليل على ان وادى هور كان بمثابة سلسلة من على الأقل البحيرات المرتبط بعضها بالأخرى حتى الألفية الثانية ق.م. تم الكشف عنه فقط خلال السنوات الأخيرة. أعطى ذلك أساساً جديداً لكل الإحتمالات عن الصلات الثقافية بين النيل ودواخل افريقيا. لم يكن وادى هور هاماً فحسب حطاً شرقياً غربياً للتجارة وموقعاً  للإقامة يوفر موارد هائلة للصيد وصيد الأسماك خلال فترة الهولوسين المبكر لكنه وفى أزمان لاحقة أصبح منطقةً للإحتفاظ بالأبقار، وأيضاً كان له دور الوسيط والمرحلة الإنتقالية للثقافة بتحرك السكان الذى حدث فى الألفية الخامسة بفعل الجفاف الذى أصاب الصحراء. بهذهالوظيفة فقد فرض نفسه عتبةً ايكولوجية يمكن للناس التوقف فيها ولثقافاتهم ان تتطور فى وجه التوسع المخيف للصحراء التى هجمت عليهم.

الكم العادى للمكتشفات فى ضفتى وادى هور مشهود قبل حقبة فروبينيوس التى قادها ل. الماسى فى عام 1933 وظلت عرضة للجدل. فى هذا المسار طرح فروبينيوس الفرضيى الجريئة التى مفادها ان وادى هور هو "النيل الأصفر" الذى يجرى الى الشمال. منذ بداية أبحاث الصحراء الشرقية لجامعة كولون فى عام 1980 فان المواد الفخارية والحيوانية الهائلة استخدمت للإجابة على أسئلة متعلقة بأركيولوجية الإقامة (الإستقرار). خلال السنوات الأخيرة أصبح ممكناً عن طريق أعمال المسح المنتظمة وبالإعتماد على كرونولوجية الفخار المفصلة تطوير الخطوط الأولى لمسار الإستقرار. طبقاً لذلك انعكس رد فعل مباشر على الجفاف المتزايد بالتشديد على تحويل مواقع الإقامة من السهول المحيطة ومن أسفل وادى هور الى وسط الوادى وهناك من الأطراف الى الأجزاء الواقة الى الأسفل. يصح الشئ نفسه بالنسبة للإفادات التى يمكن أن يتوصل اليها المرء بخصوص عظام الحيوانات المكتشفة: خفضت نسبة تربية الأبقار ليحل محلها الرعى المتزايد للخراف والماعز والتى تجد ختى اليوم مرعاً فقيراً لها بعد الجمال الخاصة ببعض البدو الكبابيش.

المزيد من تأثيرات التحولات الإيكولوجية للصحراء والنتائج الناجمة على الإقتصاد والتحرك السكانى فى الأجزاء الأبعد جنوباً فى القارة تظل صعبة الإدراك حتى الآن. الى الجنوب من وادى هور تظل مساحات شاسعة فى جنوب السودان غير مستقصاة فيما يخص علم آثار ماقبل التاريخ. شرق افريقيا هى المصدر الأقرب المتوفر، الذى يبرهن على الرعاوة فى الألفية الثالثة ق.م. فى الوقت نفسه توجد المؤشرات الأولى الدالة على رعى الأبقار فى غرب افريقيا.

يفترض عادة ان هذه المنطقة كانت نقطة بداية لتحرك لغوى وسكانى شمل مجمل جنوب افريقيا. هذا التحرك الذى صار يعرف بهجرة البانتو يحتل اهمية كبرى بالنسبة للبحث التاريخى للقارة الافريقية ويرتبط أيضاً بإنتشار إبداعات إقتصادية وتقنية. كثيراً ما جرت محاولات- عادة ما تهمل النقد المصدر الأساسى- لربط المعطيات الآثارية مع وبدعمها بإعادة التركيب اللغوية. فى جوانب عديدة فان المجادلة، مستعيدة دوامة المناقشة حول اللغات الهندو-اوربية، تشدد على ضرورة تواريخ مؤكدة والتعاون السريع بين علم اللغويات وعلم الآثار. ويربط مركز كولون للبحث التعاونى شمال افريقيا وجنوبها من وجهة النظر هذه. يركز المشروع بحثه فى مجال ماقبل التاريخ على الـ 3000 سنة الأخيرة التى بدأت فيها الرعاوة، وصناعة الفخار، والزراعة، والتعدين رحلتها الى رأس الرجاء. الأسئلة المتعلقة بالطرق، وبالتواتر والتركيبات الخاصة ببداية إنتاج الظعام فى جنوب افريقيا- احتمالاً ان تكون مرتبطة بالتعدين- تفسح المجال لطرح العديد من الفرضيات التى يجرى إختبارها الآن عن طريق العمل الآثارى الميدانى فى شمال ناميبيا.

المنطقة التى تعد الأقل دراسة من الناحية الآثارية هى بالرغم- أو احتمالاً بسبب- هذه الحقيقة تدعى كونها معبراً لطرق الهجرات الشمالية والشرقية والجنوبية. الهدف هو تثبيت إطار كرونولوجى والذى يمكن ملئه بالمعطيات الإقتصادية والإيكولوجية وبمعطيات علم النباتات القديمة وعلم الحيوانات الحفرية. تبدو كاوكولاند فى شمال غرب ناميبيا المنطقة الأكثر ملائمة لمشروع البحث هذا، طالما أن رعاة الأبقار الهمبا، وهم مجموعة تقليدية من شعب هيريرو، ينثلون نموذجاً يعطى رؤية واضحة لنمط الحياة التقليدى للرعاة الافارقة. أثبت البحث الميدانى بسرعة الإحتفاظ بظروف مواقع سكنية مكشوفة فى العراء والكشف عنها، حيث تبدو البنة الدالة على الرعاة أكثر موثوقية. من جانب ثانٍ أصبح ممكناً التنقيب فى ستراتيجرافيا داخل الكهوف فى منطقة اورووانجى الى الغرب من منطقة العاصمة وبوو خلال الموسم الأول للعمل الميدانى. تظهر هذه الإستراتيجرافيا لقى فخارية تصل الى عمق متر واحد بالإضافة الى عظام خراف وماعز فى العديد من الطبقات. تشير البقايا النباتية العديدة الى مناخ شبه جاف دائم نسبياً خلال فترة الإقامة والتى تمَّ التعرف عليها عن طريق سلسلة من التواريخ الراديوكاربونية. تعطى تلك عمراً تقريبياً 2000 سنة بالنسبة للظهور المبكر للفخار وتربية الحيوانات. تاريخ آخر يؤكد تلك الأدلة المبكرة لهذه الظواهر الثقافية فى ناميبيا يأتى من موقع "جيدولد" حوالى 200 كيلومتر بالإضافة أيضاً الى أدلة من حفريات أخرى فى جنوب افريقيا.

فى المسار التاريخى اللاحق لهذه الصورة الإختبارية للتطور ناقبل التاريخى المتأخر وأصل اللغات والمجموعات السكانية الحديثة المطوية فى جنوب افريقيا، والتى نتجت بسبب الإختلاف الإقليمى والزمانى فى ظهور رعى الأبقار، والزراعة، والتعدين. بالتالى لا يبدو من المنطقى ربط بدايات الإقتصاد الإنتاجى بالمصطلح "نيوليتى". التحول الثقافى التاريخى الذى يوصف تقليدياً بـ "الثورة النيوليتية"- والذى يعنى بداية الزراعة، ورعى القطعان، والإقامة الدائمة وتقتية الفخار فى الشرق الأدنى واوربا- فى الغالب المحتمل  قد حدث فى القارة الأفريقية فى هذا الشكل فى وادى النيل. على سبيل المصادفة فان نظرة الى ماضى افريقيا وكذلك الى حاضرها تُظهر ان الإقتصاديات وأنماط الحياة المتنوعة تتجلى بأشكال وترتيبات مركبة محتلفة. كذلك فان التطور لا يحدث خطياً، أى، تطورياً أو إرتقائياً بإتجاه أشكال أعلى من المدنية. الأقرب هو ان الهدف النهائى كان هو تقليل المخاطرة. كان على الناس بخاصة فى مناطق جافة أن يندفعوا الى نشر استخدام الموارد وفى اثتاء ذلك تقبل مبدأ التراجع من الزراعة الى صيد الحيوانات. غض النظر كانت بداية رعى الأبقار مرحلة تاريخية فى المناطق المختلفة للقارة باستقلال عن مسألة عما إذا كان تدجين الأبقار قد وصل من الشرق الأدنى أو عما إذا كان من الممكن عده إنجازاً افريقياً مستقلاً يرجع تاريخه الى الألفية التاسعة ق.م.

نموذج التطور الهولوسينى فى شمال شرق افريقيا وجنوب غربها المرسوم بعاليه يعتمد جزئياً على نتائج غير منشورة حتى الآن والتى تم تحقيقها من قبل مجموعة البحث التكاملى. الأشخاص المرتبطون بهذا العمل هم: مارتن البرخت، وهالا بركات، وهوبرت بركى، وهلجا بسلر، وهولاف بوبنزر، وباربارا ايشورن، وتوماس فرانك، وبرجيت جيهلن، وبرجيت كيدنج، وكارين كندرمان، وستيفان كروبيلن، وردولف كوبر، وجورج لنستيدر، وستيفانى نوسباوم، وجورجن ريختر، وهيكو ريمير، وهايمز ساندر، وفيرنر شوك، وستيفان فينزيل، ورالف فوجلسانج، وباربارا زاخ.

للنص الإنجليزي للورقة                                                        جبل البركل ونبتة القديمة


 
أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســــودانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق