أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســـودانية
|
مجلة
الآثار السودانية/
العدد السابع/
ديسمبر/
2005
أربع
ألف سنة في النيل الأزرق :
المسارات
إلى عدم المساواة وطرق المقاومة
فيكتور
فرناندز
شعبة
ما قبل التاريخ، جامعة كمبلوتنسى 28040 مدريد، اسبانيا
ترجمة
أسامة عبدالرحمن النور
نطرح هنا، كاستنتاجات
عامة للأوراق الخاصة بمشروع النيل الأزرق، بعض الأفكار المقترحة بشأن مجتمعات ما
قبل التاريخ التى شكلت موضوعاً لدراسة علماء الآثار الأسبان العاملين في السودان
الأوسط خلال التسعينات من القرن المنصرم. اشتمل المشروع على أعمال مسح لمنطقة وادي
سوبا الحسيب إلى الشرق من الخرطوم وتنفيذ تنقيب في موقعين للعصر الحجري الوسيط
(الميزوليتي) وموقع من العصر الحجري الحديث (النيوليتي) في منطقة وادي سوبا. جمعت
المعطيات المستقاة من مصادر مختلفة في محاولة لتركيب رواية تاريخية. تمت ملاحظة
آثار بعض الفجوات الآثارية في المنطقة، بخاصة في بداية العصر الميزوليتي ونهايته،
حيث شهدت هذه الأخيرة بروز التراتب الاجتماعي وتراجع دور المرأة. تم تفسير الفجوة
الآثارية في نهاية العصر النيوليتي بحسبانها ناتجة عن عائق أمام الانقسام الاجتماعي.
تم افتراض يقول بأن
ثقافات مقاومة مبكرة وتحركات سكانية باتجاه الجرف الإثيوبي بوصفه منطقة لجوء آمنة
قد تمت وسط السكان النيليين - الصحراويين ومنطقة الساحل الشرقي.
تنتمي المواقع
الميزوليتية التى تم مسحها والتنقيب فيها في منطقة النيل الأزرق من قبل مشروع
البحث الآثاري الأسباني، والذي نُشرت نتائجه في هذا المجلد (Fernández
et al. 2003a, 2003b)، إلى "المركب التقني" الهولوسيني الصحراوي
- الساحلي المسمى بمصطلحات عديدة مختلفة. تسمية "آثارية جغرافية" موفقة
تم طرحها (Hays 1971: 134) "أسلوب أفق الخرطوم
Khartoum-Horizon Style"
تشير إلى الزخرف المتجانس للفخار الذى تم الكشف عنه للمرة الأولى في موقع الخرطوم (Arkell 1949a). الفكرة هي أن أسلوب
الفخار نفسه انتشر من هنا إلى مجموعات عديدة مختلفة في الصحراء والساحل، والتي
استنبط وجودها السابق قبل انتقال الفخار من تقنياتها الحجرية المختلفة (Hays 1971: 136). تكشف المعطيات
الآثارية الحديثة وجود طور قصير "قبل فخاري" أو "ايبي
باليوليتي" في الصحراء، وضع كرونولوجياً في الفترة من بداية الظروف الرطبة
وانتشار تقنيات الفخار. تم جمع بينة من شمال مالي والنيجر (Camps 1974: 214-6)، ومن صحراء مصر الشرقية
(Gabriel 1977)، ومن شرق السودان (Marks 1987; Elamin 1987)، أو صحراء ليبيا
الغربية (Cremaschi
and
Di
Lernia 1998; Garcea 2001). سمي هذا الطور الثقافي
في المنطقة الأخيرة بـ "الأكاكوس المبكر"، وأؤرخ بـ 9800 - 9000 سنة مضت. تميزت
الصناعات الحجرية لهذه الفترة بتواتر عال للنصال المدببة الظهر كما هو الحال
بالنسبة للصناعات المعاصرة لها في المغرب (القفصية) (Tixier 1963;
Camps 1974) ووادي النيل المصري
(القارونية والشمارقية) (Wendorf 1968;
Wendorf
and
Schild 1976).
بحوالي 9000 سنة مضت، على أية حال،
تبنت المجموعات على امتداد الصحراء إنتاج الفخار وفق أسلوب زخرفة مماثل بصورة
واضحة بحيث لا يُظهر أية اختلافات على امتداد مساحة بهذا القدر من الاتساع. استخدم
أسلوب الطبع بالمهزة نفسه من مناطق الأطلسي، مثل الصحراء الغربية (Almagro 1946:
200-1) أو موريتانيا (Commelin et al. 1992: fig. 3, a-f)، إلى المناطق القريبة من ساحل البحر الأحمر، كما هو
الحال في طور ساروبا بمنطقة خشم القربة (Fattovich
et al. 1984: fig. 3; cf. Arkell 1949a: 116;
Garcea 1993:
189). وجدت تقنية الطبع المحوري المزدوج التناوبي التى تمثل
شكلاً من نظام الطبع العام بالمهزة، أيضاً على امتداد الصحراء والنيل (Garcea 1998:
93). انتشر الخط المنقط المتموج بكثرة أيضاً في منطقة الصحراء،
لكنه ظهر في وادي النيل في تاريخ لاحق (Ibid.;
Caneva 1983;
Caneva and Marks 1990; Caneva et
al. 1993).
لازالت الأسباب الكامنة
وراء مثل عملية الانتشار السريعة لموضوع ثقافي منفرد على امتداد مساحة بهذا القدر
من الاتساع (أكثر من 6000
كيلو متر عرضاً) بحاجة إلى توضيح. طالما أن الأفق الفخاري في معظم المواقع
المعروفة هو المحتوى الثقافي الأول بعد الفجوة الديموغرافية للبليستوسين المتأخر،
فإن إشكالية أصول الفخار هي في الحقيقة مشكلة الإقامة الإنسانية المجددة في منطقة
الصحراء. حالات مماثلة للانتشار السريع للفخار، مثل الفخار الدانوبي الخطي في
أوروبا النيوليتية المبكرة (Whittle 1985) أو فخار نوع اوري لدى
البانتو في عصر الحديد المبكر في شرق أفريقيا (Phillipson 1977a) تم تفسيرها
بحسبانها نتاجاً لتوسع المجموعات الإنسانية على امتداد مناطق جغرافية متسعة.
فسر سوتون (1974; Sutton 1977) في مقالتين نمطيتين
نالتا انتشاراً واسعاً المركب التقني للفخار بالمهزة بحسبانه نتاج الهجرة الأولى
للشعوب الزنجية، المتحدثة بتنوعات قديمة لتشكيلة اللغات النيلية - الصحراوية
الحالية، خارج موطنهم في أفريقيا الوسطى (الثاني سيكون توسع البانتو، بعد عدة
ألفيات لاحقة). كان التوسع مدفوعاً ببداية ظروف رطبة جديدة في الصحراء، وتبنت
المجموعات المهاجرة بالتالي توجهاً اقتصادياً يعتمد موارد الأنهار والبحيرات، من
هنا التسمية المقترحة "الحجرية المائية aqualithic"
لهذا المركب الثقافي. يعتقد سوتون بأن الحركة قد دفعها توسع الغابات الاستوائية في
أفريقيا الوسطى (Sutton 1977: 27)، وهو ما يبدو أن
المعطيات الجديدة تقدم دعماً له. بعد أن كانت محصورة في "ملاذات" قليلة
أثناء ظروف الجليد القصوى في نهاية البليستوسين، تمددت الغابات المطيرة لتصل إلى
قمة توسعها بحوالي فترة الهولوسين الأوسط (Lieth and
Werger 1989). طبقاً لنظرية معروفة لكنها عرضة للمجادلة (Bailey and Headland 1991)، كانت الغابات
الاستوائية بيئة مغلقة أمام بني الإنسان قبل تثبيت التقنية النيوليتية. بالتالي كان
رد فعل جماعات الباحثين عن الطعام أمام تمدد الغابات هو الهجرة نحو مناطق أكثر
انفتاحاً وفي الشريط الشمالي المباشر "لوسط أفريقيا" سيكون هذا الاتجاه
نحو الشمال.
بالنسبة للسمات
الأنثروبولوجية الفيزيقية، فإن فكرة انتشار عنصر زنجي أساساً عبر الصحراء خلال الهولوسين،
والتي كانت شائعة عندما كتب سوتون مقالتيه بعد المعطيات المستقاة من تنوعات هياكل
منفردة من الخرطوم المبكرة ومواقع أخرى (cf. Derry in Arkell 1949a: 30-3)، فقد تم رفضها فيما بعد
على أساس معطيات متنوعة تدعم وجود سكان شماليين من نوع مشتا (Petit-Maire
and
Dutour 1987). أظهرت أبحاث حديثة اعتمدت المتغيرات الوراثية، على
كلٍ، وجود تنوع وراثي مستمر في كل من منطقتي النيل والصحراء بين السمات الزنجية
السائدة في الجنوب والقوقازية في الشمال (Tay and
Saha 1988;
Fox 1997). غض النظر عن أن هذه
الحقيقة قد فُسرت بحسبانها تأتي من تدفق المورثات أو الاصطفاء المحلي، فإن
السيناريو هو واحد يمثل التنوع التدريجي على امتداد المنطقة. تظهر مناظر مبكرة في
الصحراء الوسطى، أن أسلوب "الرؤوس المستديرة" المعاصر تقريباً للعصر
الميزوليتي، أشكالاً بشرية عادة ما تفسر بحسبانها تصور "زنوجاً" (Sansoni 1994; 1998). في فترة "البقريات" التالية والمؤرخة بعد
بداية تربية الحيوانات في الألفية السابعة قبل تاريخ اليوم، فإن وجود أشكال عرقية
مختلفة مشهود في المنطقة، مع الادعاء بأن الأشكال الزنجية سابقة للأوربية (Muzzolini 1986;
Gallay 1987).
من وجهة نظر لغوية، تقوت
العلاقات بين اللغات النيلية - الصحراوية الحالية والتوسع الصحراوي - الساحلي عن
طريق أعمال العديد من الباحثين في السنوات الأخيرة (Bender 1982; Blench 1993: 136; Ehret 2000:
281-9). آثارياً، يبدو أن فرضية الأصل الجنوبي قد تقوت
بدورها، حيث أن الكميات الكبيرة من الهاربونات العظمية (المؤشر المتحجر الآخر
للمركب إلى جانب الفخار) والتكيف الاقتصادي المائي العام قد تم تسجيله بالنسبة
لأفريقيا الوسطى، بتواريخ مبكرة بالنسبة لمواقع الكونغو مثل ايشانجو وكاتندا (McBrearty
and Brooks 2000: 503-6, 510-13). هذا العمر الأقدم يبدو
أنه يتطابق بل ويسبق الأهمية المدعاة لوادي النيل أو بحيرات شرق أفريقيا كمناطق
أخرى لأصل الأحداث الثقافية للهولوسين الصحراوي (Stewart 1989).
كان هناك عدد من
النظريات بشأن أسباب اختراع الفخار ووظائفه الأولى. أصر معظم المؤلفين على
الإمكانيات الجديدة لمعالجة الطعام بالغلي والبخار الذى يجعل الطعام أيسر هضماً
وألذ طعماً (e.g. Haaland 1992:
48). وسط الجماعات الميزوليتية للصحراء ووادي النيل يمكن أن
تكون الوجبات مؤلفة من النباتات المجمعة (Ibid.)، في الغالب حبوب تكون
بذورها قد تم الكشف عنها في الترسبات الآثارية (Barakat and
Fahmy 1999) وسجلت طبعاتها على شقوف الفخار في العديد من المواقع
الميزوليتية والنيوليتية المنقبة (Magid 1989; 1995; 1999; 2003; Stemler 1990). كما وافترض بأن السمك
قد تمت معالجته في شكل مطبوخ أو حساء في جرار فخارية (Sutton 1974; Stewart 1989; Haaland 1992,
among others). جمع النباتات وصناعة الفخار المنزلي تم تفسيرهما في
العادة بوصفهما نشاطين نسائيين على أساس المعطيات الاثنولوجية الشائعة (Murdock and Provost 1973: table 1). فيما يتعلق بصيد الأسماك، فإن المعلومات المتوفرة
اليوم، ومن ثم احتمالاً أيضاً في الماضي، تشير إلى أنه نشاط رجالي في الأساس بنسبة
82% من دراسات الحالة
الأفريقية (Ibid.: table 3). يقوم الرجال بتنفيذ
نشاطات صيد الأسماك في الساحل ومناطق البحيرات، رغم أن حالات مشهودة لاشتراك
النساء مثل ما هو الحال لدى النوير (Murdock 1967: 188). مع ذلك فإنه وفي بعض
المجموعات التقليدية في الحدود الإثيوبية السودانية والذين سميوا في السابق بـ
"أشباه النيليين" (see
map in Fernández
et al. 2003a: fig. 1)، مثل القمز، ومبان أو كوما،
يمثل صيد الأسماك نشاطاً نسائياً في الأساس (Grottanelli 1948:
300; Cerulli 1956:
18-9).
إسهام النساء في صيد
الأسماك كان أمراً محتملاً (Barich 1998:
108)، ارتباطهن الأكيد بالفخار والأغذية النباتية يقدم حالة
جيدة للدور الأنثوي الهام في التوسع الميزوليتي. نظام تبادل النساء عبر الزواج
طُرح كتفسير محتمل للتشابهات في زخرف الفخار الصحراوي (Caneva 1988b: 369). إذا كان من الجائز عد
الزخرف والسلوك الأسلوبي العام نظاماً لعرض المعلومات، الموجهة إلى مجموعة سكان
مستهدفة والتي تحتاج وتستطيع فك شفرة الرسالة (Wobst 1977)، فإن الرموز المحتواة
في الجرار يمكن "قراءتها" من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر. قد يكون
مغرياً تصور أيديولوجيا واحدة مشتركة لكل هذه المنطقة الواسعة. تلميح بعيد لهذا
المجال الأيديولوجي يمكن تتبعه في الأسلوب الغريب لمناظر الرؤوس المستديرة للفن
الصخري في الصحراء الوسطى. هنا يتفوق عدد أشكال الرجال على النساء لكن يبدو أن
الأخيرين يقمن في العادة بدور مهم (Sansoni 1994:
208; 1998: 149). في بعض الحالات يصور النساء بالقرب من حاويات نصف
كروية تحتوي احتمالاً على بذور، أو يصورن وهن يرقصن في مناظر "تعبدية"،
أجسامهن مزخرفة بموضوعات غنية (خدوش؟) أشبه بمناظر زخرف الفخار (Barich 1998:
112-3). الارتباط العادي بين الموضوعات المصورة على الجرار
وعلى أجساد البشر قد تم تسجيلها في أفريقيا. إضافة فإن الفخار المكتشف في نبتا
بصحراء مصر الغربية يدعى بأنه ارتبط بوظيفة اجتماعية ورمزية نسبة إلى شحه (Close 1992: 162-3)، كما فُسر التقليد طويل
الأمد للفخار السوداني رائع الزخرف الذى استمر حتى العصرين المروي والمسيحي بوصفه
بينة دالة على أغراضه الطقوسية (Edwards 1996: 74-5).
وجد النساء والأطفال
بكثرة في البينة الجنائزية المشهودة من العصر الميزوليتي. في موقع السقاي
بالسودان، انتمت أربعة من كل خمسة مدافن لنساء (Coppa and
Macchiarelli 1983: 118-22)، والقليل من المقابر
التى نقبت في الصحراء، على سبيل المثال في وان موهجاج (ليبيا) وامكني (الجزائر)
تنتمي لنساء وأيضاً أطفال (Barich 1998:
111). في موقع مرميدة بني سلامة النيوليتي المصري تم تفسير
التداخل الخاص لمدافن النساء والأطفال كمؤشر محتمل للأمومية (Hassan 1988:
169). قامت النساء في النوبة أيضاً بدور هام في المجتمع النيوليتي
المبكر، كما هو مشهود من المدافن الخاصة بالنساء والأطفال في جبانة البرقة بالقرب
من كرمة (Honegger 2003:
289) والموقع المتميز لبعض مقابر النساء في الجبانة 18 بـ كدروكة (Reinold 2000: 80-1, 2001:
6). في فترة لاحقة تشير معطيات من جبانة كرمة الصغيرة في عبري
بشمال السودان (Fernández 1982:
289-302)، والتي كانت فيها مقابر النساء أكثر ثراءً من حيث
المحتويات مقارنة بمقابر الرجال، إلى استمرارية الوضع المميز للنساء في المناطق
الريفية البعيدة عن سيطرة المراكز مثل كرمة العاصمة نفسها.
كشف المسح الآثاري عن
معطيات قليلة خاصة بالعصر الباليوليتي في المنطقة. تشير البقايا القليلة من العصر
الباليوليتي الأوسط التى تم العثور عليها إلى أن المنطقة لم تك غير مأهولة بصورة
تامة، مع ذلك فإنها لا تضيف الكثير إلى ما هو معروف مسبقاً من أماكن قليلة أخرى،
مثل سنجة أو أبوحجار (Arkell 1949b: 45-7, pl. 27: 5-7). لم يتم التعرف على أية
مواقع من العصر الباليوليتي الأعلى، مع أن أدوات حجرية تعد مميزة لذلك العصر توفرت
بكثرة في المواقع الميزوليتية في الوادي إلى الشرق أكثر منها في المواقع النيلية،
يحتمل أن يكون ذلك نتيجة تأثيرات ثقافية من شرق السودان حيث تم تسجيل صناعات
باليوليتية متأخرة (Elamin 1987; Marks 1987).
تشير بينة جيوكيمائية من
المستويات القاعدية لموقع المهلَّب إلى أن المناخ كان أكثر رطوبة قبل 8000 سنة مضت مقارنة
بالسنوات اللاحقة (Lario et al. 1997). يبدو أن مجمل منطقة
البحث تكاد تكون خاوية قبل الألفية الثامنة، احتمالاً بسبب فيضانات النيل الأزرق
المتكررة وتكون مناطق مستنقعات بالقرب من مجرى النهر وفي الوديان (Wickens 1982: fig. 6). بشكل ملحوظ، فإن معظم
التواريخ من مواقع ميزوليتية أخرى في منطقة الخرطوم هى أصغر من ذلك التاريخ،
القليلة الأقدم (من موقع واحد، السروراب، انظر Khabir 1987) غير موثوقة لاحتمال
كونها غير مرتبطة ببقايا ثقافية (Caneva 1999:
33). ست تواريخ من أبودربين بالقرب من عطبرة في شرق السودان
بين 8640 و 8330 سنة مضت (Haaland and
Magid 1995: 49)، قد يكون هذا مؤشراً
إلى وجود مؤثرات شرقية في المنطقة. تواريخ من المواقع النادرة المعروفة إلى الجنوب
من الخرطوم تلمح حتى إلى تاريخ متأخر للتكيف الميزوليتي: على سبيل المثال 7470- 7050 سنة مضت في شابونا (Clark 1989: 389). فوق ذلك، لم يتم الكشف
عن أي موقع ميزوليتي مهم خلال أعمال استكشافنا لمنطقة النيل الأزرق من ودمدني حتى
سنجة (Fernández
et al. 2003a: sites nos.
85-6, 92). العديد من الشقوف شبه
الميزوليتية تم العثور عليها عن طريق المؤلف أثناء أعمال تنقيب حديثة في إثيوبيا
بالقرب من الحدود السودانية (سقيفة بل كرمكو الصخرية في أسوسا، بني شنقول)، في
مستوى مؤرخ بـ 5000-45
سنة
مضت. كرونولوجيا مبكرة أكثر تم اقتراحها بالنسبة للقليل من الشقوف المزخرفة بخط
متموج عُثر عليها في حوض بحيرة تركانا (Phillipson 1977a: fig. 16, 10; 1977b: fig. 19, 3). كل هذه البينة، رغم شحها، تلمح إلى أصل صحراوي أكثر منه
وسط أفريقي لثقافة الخرطوم المبكرة، والتي بدأت احتمالاً في تاريخ متأخر مقارنة
بمنطقة القلب الميزوليتي (cf. Close 1995: table 3.1).
ما يميز منطقة الخرطوم
بوضوح، عند مقارنتها بالمناطق المجاورة، هو وفرة الخط المحفور المتموج مقارنة
بأشكال الزخرف الأخرى، تحديداً الطبع بالمهزة الذى يميز المناطق الأخرى. يوجد الخط
المحفور المتموج كذلك في المناطق النيلية، لكن بدرجة أقل : 4% في شابونا (Clark 1989: fig. 12)ا، 11% في أبودربين (Haaland 1995:
113) وحوالي 16% في إقليم دنقلا (Shiner 1971:
141). بعض المواقع التى قمنا بمسحها والتنقيب فيها، مثل كارنوس
أو شيخ مصطفى، تحتوي على نسبة من الشقوف المزخرفة بالخط المحفور المتموج تبلغ أكثر
من 60% (see Fernández
et al. 2003a: table 5). تواتر عال تم تسجيله أيضاً في موقع الخرطوم المبكرة
(Mohammed-Ali 1982:
76). تشير نتائجنا الإحصائية إلى أن مواقع أكثر قدماً منتجة
فقط لفخار مزخرف بخط محفور متموج بدون نوع المزخرف بالمهزة يمكن أن توجد ويمكن
الكشف عنها في المستقبل (Fernández
et al. 2003a: fig. 46). اختراع تقنية الخط المتموج في هذه المنطقة يمكن
التكهن به باطمئنان ويحتمل ألا يكون تأصل الخطوط المتموجة في المناطق الأغنى
بالمياه من بين كل امتداد المركب المائي مجرد صدفة فقط. لاحقاً استخدم الرمز نفسه
ليمثل الماء في الخط الهيروغليفي المصري (Wilkinson 1992). الاستبدال التدريجي
للزخرف المطبوع بالمهزة بزخرف خطي متموج كتقنية أساسية للزخرف، وهو ما يشهد عليه
التواتر والمعطيات الاستراتيجرافية في كل من النيل الأزرق ونهر النيل، قد يكون
انعكاساً لتأثيرات ثقافية متصاعدة من منطقة الصحراء. أيضاً فإن الوصول المبكر
للفخار المزخرف بالخطوط المحفورة المتموجة إلى النيل، وهو مشهود في بعض مواقعنا،
يشير إلى وجود صلات صحراوية خلال معظم العصر الميزوليتي. ثقافياً تنتهي منطقة
السودان الأوسط بفقدانها لأصالتها وباندماجها في منطقة صحراوية أكبر. القليل من
المواقع المكتشفة خلال أعمال المسح يمكن ربطها بالطور المتأخر للعصر الميزوليتي في
المنطقة، والمتميز باختفاء الفخار المزخرف بالخطوط المتموجة ووفرة الفخار المزخرف
بالمهماز (Caneva and Marks 1990: 21-2; Caneva et
al. 1993: 247-8).
على ضوء توزيع مواقع
الإقامة الميزوليتية على امتداد المنظر الطبيعي للنيل الأزرق، تم استنتاج نموذج
للتحركات الفصلية بين منطقتي النيل والوادي. احتمالاً شأنهم شأن النوير الحاليين (Evans-Pritchard 1940)، تحركت المجموعات
باتجاه النهر وتنقسم إلى أجزاء صغيرة مع بداية فصل الجفاف، مركزة تدريجياً على
مصادر المياه المتوفرة بنهاية الفصل. تم تثبيت أن المواقع الآثارية الصغير منها
والكبير والمسجلة في المنطقة النهرية يمكن أن تتوافق مع معسكرات بداية العصر
ونهايته. يبدو أن القرى الأكثر ديمومة تم تشييدها خلال موسم الأمطار وفيضان النهر،
حين يمكن للناس الارتحال من السهل الغريني إلى منطقة الوادي حيث جعلت الأرض
المنحدرة الإقامة ممكنة. تحاليل بقايا الأسماك (Chaix 2003) واللقاحات (López and
López 2003) تشير إلى قرب مياه العمق في موقع الوادي (المهلَّب).
كذلك تتوافق أنماط الإقامة وإحصاء الفخار (Fernández
et al. 2003a: section 6) مع النموذج الذى سبق اقتراحه على أساس التناظر
الاثنوغرافي (Clark 1989: fig. 14).
قائمة المكتشفات الغزيرة
التى عثر عليها في معظم المواقع تشير إلى أن المجموعات أتت سنوياً إلى النقطة
نفسها، حيث احتفظوا في الغالب بجزء من متاعهم الشخصي المادي، على سبيل المثال
حجارة الطحن الثقيلة، عندما يتحركون إلى معسكرات وقرى جديدة. يحتمل كذلك أن يكونوا
قد هجروا بعض جرارهم، لهذا السبب نجد الآن الكثير من الشقوف في المواقع. حوالي 150 شقف بمعدل متر مكعب من
الترسيب الآثاري تم تسجيلها في شيخ مصطفى، بل حتى أكثر، 275 شقف في المتر المكعب في
المهلَّب. الحجم المتوسط للشقوف في موقع شيخ مصطفى 7.3 سم2، والذي يمثل 0.4
% من مجمل المنطقة ذات الشكل نصف الكروي بفتحة يبلغ نصف
قطرها 35 سم (Fernández et al. 2003b: table 4).
كمتوسط قيمة، انكسرت كل جرة إلى 250
شقف. هل يمكن أن يكون ذلك نتاج عملية متعمدة؟ كما يقول نيجل بارلي، "في
أفريقيا يشمل الموت تكسير الجرار في حين يشمل الزواج صناعتها" وقابلية
الجرار على الانسحاق هو ما يجعلها "مصدراً للقوة الطقوسية" (Barley 1994: 92, 112).
بالإضافة
إلى الاختلافات المتزامنة المذكورة أعلاه يمكن أيضاً استنتاج تيارات تاريخية.
التحليل الإحصائي لتوزيع الأدوات في الموقع سمحت بتعويض جزئي للعمليات التفريغية
الفاعلة منذ أزمان ما قبل التاريخ، ويمكن إعادة تركيب بعض من الترتيب
الاستراتيجرافي بربط المعطيات من المناطق المركزية والهامشية لكل موقع (Fernández
et al. 2003b: fig. 11, passim). توفر نتائج الفخار
الإحصائية بعض بينة دالة على انتقال الإقامات من الوادي إلى النهر بنهاية العصر
الميزوليتي، احتمالاً تحت تأثير تدهور المناخ في تلك الفترة. وتقدم البقايا
الحيوانية أيضاً بعض المفاتيح لانخفاض عام للرطوبة خلال العصر الميزوليتي. بالتالي
فإن عظام الأسماك أكثر تواجداً في المستويات السفلى المنقبة في شيخ مصطفى، ومؤرخة
بحوالي 7930 سنة مضت، أكثر منها في
المستويات الأعلى وفي المهلَّب، مؤرخة بـ 7705-
6940 سنة مضت (Chaix 2003).
تدعمت النزعة لاحقاً أربعة ألف سنة في النيل الأزرق : مسارات المقاومة وطرقها عن
طريق مستوى رملي في المستويات العليا في موقع المهلَّب مشيراً إلى ظروف جافة في
وقت بين حوالي 7400 و 6900
سنة مضت (Fernández
et al. 2003b: section 1).
يشير
تحليل المواد الحجرية في شيخ مصطفى والمهلَّب أيضاً إلى التحول من الرؤوس المدببة
والقليل من الأدوات الهلالية الشكل إلى العكس، الكثير من الأخيرة، بخاصة الأشكال
العريضة، والقليل من الرؤوس المدببة. استمرت هذه النزعة خلال العصر النيوليتي
عندما أصبحت الأدوات الهلالية العريضة هي السائدة. تم تفسير التحول بوصفه مرتبطاً
بالتغير المناخي وما نتج عنه من وفرة حيوانات الصيد. العديد من النصال ذات الرؤوس
المدببة من الأزمان الأسبق، والمتكررة بخاصة في المستويات السفلى في شيخ مصطفى،
كان من الممكن استخدامها سنارات لصيد الأسماك، طالما أنه لم يتم الكشف عن هاربونات
عظمية. كل من تحليل البقايا الحيوانية (Chaix 2003)
وتحليل الحميات القديمة للعظام البشرية (Trancho and
Robledo 2003) من المستوى نفسه تشير إلى
استهلاك عال للأسماك. يحتمل أن تكون بعض الرؤوس والأدوات الهلالية غير العريضة قد
استخدمت رؤوس الأسهم حادة، الفاعلة لقتل الحيوانات الكبيرة، في حين كانت الهلالية
العريضة أكثر فاعلية كرؤوس أسهم لصيد الحيوانات الصغيرة الأشد سرعة (Clark et al. 1974; Nuzhnyi 1989).
تظهر المعطيات الحيوانية من المواقع الثلاثة تدنياً مستمراً في حجم الصيد من
المواقع الميزوليتية المبكرة إلى المتأخرة ومن ثم في الموقع النيوليتي في شيخ
الأمين (Chaix 2003;
Fernández
et al. 2003b: fig. 66).
في
حين ساد اعتقاد بأن ثقافة الخرطوم النيوليتية تطورت عن الخرطوم الميزوليتية إلا أن
هناك انقطاع في التواريخ الراديوكاربونية وفي المعلومات من فترة الانتقال مما أربك
الباحثين لسنوات طويلة (Marks et al. 1985: 262-3). لاحقاً جاء البحث ليغطي
الفجوة بطريقة ما، مع بعض المواقع المؤرخة بالنصف الثاني للألفية السابعة : القلعة
و الكباشي على النيل إلى الشمال من الخرطوم (6620-
6150 سنة مضت Caneva et
al. 1993: table 1) أو المستويات الوسطى في كهف
شقدود في شمال البطانة (Caneva and
Marks 1990). يقع أحد التواريخ
الراديوكاربونية من شيخ مصطفى في إطار الفترة الموضحة (6295
سنة مضت)، لكنه يتناقض مع البينة من بقية التواريخ المقبولة والمظهر العام المبكر
للثقافة المادية في الموقع.
تُظهر
مقارنة نماذج الفخار المقترحة للمواقع الميزوليتية والنيوليتية في أعمال المسح
التى قمنا بها (Fernández
et al. 2003a: figs. 46 & 56)
أن زخرف الفخار كان في نهاية الفترة الأولى وبداية الثانية قام في الأساس على
التقنية ذاتها، تحديداً تقنية الطبع بالمهزة. مع ذلك، فإن معظم المتغيرات الأخرى
مختلفة : الجرار النيوليتية مصنوعة بطريقة أكثر دقة، مع جدران نحيفة، وسطوح خارجية
مصقولة ومنسابة، وتظهر أشكال جديدة أصغر منذ البداية، مثل تلك ذات العنق الأسود.
الانطباع العام عن الفخار أنه من نوع جد مختلف. حتى الطبع بالمهزة القديم يبدو
متغيراً الآن، يدمج أدوات مشطية مختلفة وأكثر دقة.
تحول
هام يحدث في نمط الإقامة : لم يوجد موقع ميزوليتي واحد هام مأهول خلال الفترة
اللاحقة. معظم الإقامات النيوليتية، إن لم يك كلها، أصبحت مأهولة حينها للمرة
الأولى. رغم أن بعض شقوف ميزوليتية قد تم العثور عليها في بعض المواقع النيوليتية (Arkell 1953: 68; Krzyzaniak 1978:
171)، فإنها تأتي من مواقع كانت
احتمالاً معسكرات قصيرة الأجل مثل تلك التى اكتشفناها خلال بحثنا (Fernández
et al. 2003a, fig. 48). حتى لو أخذنا في الحسبان
حالة موقع شيخ الأمين النيوليتي، حيث كشفت أعمال التنقيب التى نفذناها عن
كمية محددة من شقوف ميزوليتية مزخرفة بالخط المحفور المتموج، فإن بينة دالة على
انتقال محلي بين الفترتين لا تبدو متوفرة. انطباعي العام، من ثم، أن تحولاً هاماً
حدث في المنطقة بوصول مجموعات جديدة تتبنى اقتصاداً رعوياً مختلفاً.
تمثل
التغيرات المناخية الجارية في حوالي 6000
سنة مضت الـ "طور الجاف الطويل للهولوسين الأوسط" في الصحراء (Muzzolini 1995: fig. 30)،
والذي يتوافق مع المستوى الأدنى لحرارة سطح البحر المسجل بعد 5900
سنة مضت (Hassan 2002:
322) والـ "طور الجاف ما قبل
النيوليتي والنيوليتي المتأخر" لسجل نبتا بلايا في صحراء مصر الجنوبية
الغربية (Schild and
Wendorf 2002: 24).
يحتمل أن يكون هذا التدهور أصل انكماش الاقتصاد المائي الذى كان سائداً في السودان
الأوسط على امتداد الألفية السابقة. في الحقيقة فإن المواقع النيوليتية على ضفة
النهر مثل الشهيناب والجيلي هي فقط التى احتوت على بقايا معتبرة للأسماك ضمن
مجاميعها الحيوانية (Krzyzaniak 1978:
165; Gautier 1988).
في شيخ الأمين، فإنه وبالرغم من العثور على سنارة لصيد الأسماك أثناء أعمال
التنقيب، فإن بقايا الأسماك كانت قليلة للغاية (Chaix 2003: table 12).
عند مواجهة التدهور المناخي اضطر الأفارقة إلى الاختيار "بين مواطنهم
وبيئاتهم" (David 1982: 50)،
ولا يمكن استبعاد إمكانية هجرة بعض المجموعات الميزوليتية أبعد إلى الجنوب حيث
كانت الرطوبة لازالت مرتفعة.
تقليد
لوكابلو، المسمى باسم سقيفة صخرية في شرق الاستوائية على بعد حوالي 1000
كيلومتر إلى الجنوب من الخرطوم والمؤرخ بـ 3800 سنة
مضت، رغم قلة المعرفة به بسبب الانقطاع في العمل نتيجة الحرب الحالية، يقدم بعض
الخصائص التى تذكرنا بالميزوليتي في السودان الأوسط (David et al. 1981).
الفخار ملطف بالكوارتز ومزخرف أساساً بالطبع بالمهزة (مع أن المنقبين تعرفوا فقط
على نمط متعرج متباعد)، بما في ذلك شقوف مزخرفة بخط محفور متموج (Ibid.: fig. 6, pl. 1).
يحذر بيتر روبرتشو من موازاتها بتقنية الزخرف نفسها (عموماً، طبع بالمشط) من مناطق
بعيدة، مجادلاً بأن شقوف لوكابلو تختلف عن شقوف جبل مويَّة وبالتالي يرفض وجود
صلات بين ثقافات جنوب ووسط السودان ما قبل التاريخية (Robertshaw 1982:
92). مع ذلك، فإن الفخار الميزوليتي
بالمهزة للسودان الأوسط يختلف هو الآخر بوضوح وأقدم من جرار جبل مويَّة المطبوعة
العادية، وتبدو مقارنة روبرتشو لفخار لوكابلو والفخار الكيني الكانيوري، والذي
يبدو أن جزءاً منه صنع أيضاً بالطبع العادي، غير مثبت (Ibid.: fig.
2). تألفت البقايا الحيوانية في لوكابلو فقط من الحيوانات
البرية التى تم اصطيادها ووفرت الترسبات المنقبة عدداً لا بأس به من صدف المحار،
رغم أنها فاقدة لبقايا أسماك (David et al. 1981: 11-19; David 1982: 52-3).
مع ذلك، تشير المعطيات اللغوية إلى وجود اقتصاد يقوم على إنتاج الطعام في جنوب
السودان منذ الألفية قبل الميلادية الثالثة وبالتالي تناقض السيناريو الناتج من
لوكابلو ومواقع أخرى في شرق الاستوائية، والتى تدل على اقتصاد يقوم على الصيد في
العصر الحجري المتأخر استمر حتى الألفية الميلادية الأولى (David 1982: 53).
موقع جبل توكي الأبعد إلى الغرب، بتاريخ أصغر (2130
سنة مضت)، أعطى أبقاراً مدجنة كبيرة (Ibid.: 51)
وفخاراً مطبوعاً بالمهزة والذى تعرفت علية راندي هالاند بوصفه مشابهاً لتقليد
الخرطوم النيوليتية (Haaland 1992: fig. 11, 61-2).
بعض
المعطيات غير المنشورة من البحث الأسباني الأخير الذى أشرف عليه المؤلف في بني
شنقول، غرب إثيوبيا، وفي منتصف الطريق بين الخرطوم ومناطق شرق الاستوائية، ذات
قيمة محتملة هنا. قدمت أعمال التنقيب في العديد من السقائف الصخرية بالقرب من
مدينة أسوسا كمية معتبرة من شقوف شبه ميزوليتية ملطفة بالكوارتز وبزخرف خطي متموج
وزخرف مطبوع بالمهزة. كما هو الحال في موقع لوكابلو، في سقيفة كوركومو الصخرية
يبدو الفخار في الجزء الأعلى (مؤرخ راديوكاربونياً بـ 4965-4470
سنة مضت) من مستوى يرجع للعصر الحجري المتأخر مع صناعة غير معرفة لرقائق ونصال من
الكوارتز. أشكال الفخار نفسها تستمر في المستوى الأعلى، سوياً مع صناعة مشابهة لكن
مع أدوات أقل رسمية، تؤرخ بـ 2020-875
سنة مضت. في سقيفة قريبة أخرى أجرى فيها تنقيب تظهر شقوف مزخرفة بالمهزة وبخطوط
محفورة متموجة جنباً إلى جنب مع أشكال فخار مختلفة، تؤرخ ببداية الألفية الميلادية
الثانية. اقتصاد تلك المجموعات لازال غير معروف حيث لم يتم حفظ العظام في طبقات
السقيفة، كما ولم يتم العثور على بقايا نباتات لا في الترسبات ولا في شقوف الفخار.
تم العثور على خطاف فخاري مشظى في السقيفة (Haaland 1992: fig. 3)
مما قد يشير إلى بعض نشاطات صيد الأسماك. على أية حال، يذكرنا استمرار أشكال
الفخار القديمة حتى الألفية الميلادية الأولى بالبينة من شرق الاستوائية، وكذلك
بالسمات العتيقة للسكان قبل النيوليتيين في المنطقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا
(Grottanelli 1948).
بعض تلك السمات، مثل علاقة جمع النباتات وصيد الأسماك، وانعدام المواشي الضخمة،
وبقايا القرابة الأمومية، وخلع الأسنان القاطعة (Murdock 1959: 170-80; Bender 1975: 9-19)
بل حتى الخصائص المورفولوجية العرقية (Arkell 1949a: 114)
تذكرنا إلى حد ما بسمات الخرطوم الميزوليتية.
يُظهر
موقع شيخ الأمين اختلافات هامة عند مقارنته بالمواقع النيوليتية الأخرى المعروفة
في المنطقة. أولاً وقبل كل شئ يقع في سهل البطانة بعيداً عن النيل، ويعني هذا
توجهاً نحو اقتصاد سافنا مع القليل من استغلال الأسماك. يبدو أن المواشي كانت أقل
من حيث العلاقة بالسكان، حيث أن البقايا الحيوانية كانت خاصة في الأساس بحيوانات
صيد (Chaix 2003: table 12).
بعد الأزمة المشار إليها أعلاه في بداية العصر النيوليتي، أصبح المناخ رطباً مجدداً
كما تشير إلى ذلك البقايا الحيوانية والنباتية (see Magid 2003: table 1).
يبدو أن استغلال النباتات الصالحة للطعام كان مكثفاً في الموقع، حيث تم تسجيل 30
طبعة نبات على جدران الفخار. نسبة الشقوف الحاملة لطبعات
نبات، مع ذلك، لم تكن أعلى بل أدنى مقارنة بالمواقع الميزوليتية، آخذين في الحسبان
إجمالي الشقوف المكتشفة والمدروسة. تدل المؤشرات على توجه أقوى باتجاه نشاطات جمع
والتقاط خلال الأزمان النيوليتية في سهل البطانة. الأعداد الكبيرة من حجارة الطحن
المنقبة في الموقع، وهو الرقم الأكبر في مجمل المنطقة، تلمح أيضاً إلى التفسير
نفسه. تناقص عدديتها في أجزاء الموقع اللاحقة قد يشير احتمالاً إلى تناقص أهمية
استغلال النباتات عندما تغير المناخ باتجاه الظروف الجافة الحالية في العصر
النيوليتي المتأخر. بالنسبة لموضوع زراعة النباتات المبكرة خلال العصرين
الميزوليتي والنيوليتي والذي شكل مثاراً للكثير من المجادلات (انظر حجج حديثة Haaland 1996;
1999; Magid
and Caneva 1998)، فإن التنوع الكبير في
الأنواع التى توفرها المعطيات، مع 10 نباتات
مختلفة تم التعرف عليها في 39
طبعة فخار، يشير إلى مدى واسع من استغلال البيئة، موجه إلى الحبوب والفواكه، أكثر
من كونه إستراتيجية متمركزة على نبات حبي معين، حتى وإن كانت الذرة السكرية هي
الأكثر تجلياً بين الأنواع كما هو الحال في المواقع السودانية الأخرى (Magid 1989;
2003; Magid
and Caneva 1998).
شهدت
المجتمعات النيوليتية في مجمل الصحراء تغيرات هامة باتجاه "التعقد"، كما
أسماه عادة علماء الآثار والمؤرخون، لكن يكون من الأفضل وصفه بـ "عدم
المساواة" (Paynter 1989;
McGuire and
Paynter 1991; Price and
Feinman 1995).
كما تجري المجادلة انطلاقاً من المعطيات الأنثروبولوجية، فإن رعاية الحيوانات،
بخاصة الأبقار تشتمل على التزامات تتطلب المواظبة بحيث تكون هناك نزعة كلية لجعل
القطعان ملكية خاصة لأسر ممتدة في داخل العشائر. يشتمل هذا على تحول أساسي في
العلاقات الاجتماعية للإنتاج وأيديولوجيا الهيبة والامتيازات
(Ingold 1980).
آثارياً تم تفسير ظهور أولى زرائب الحيوانات في المجتمعات الزراعية المبكرة بحسبان
ذلك بينة دالة على نوع من الملكية الخاصة. في موقعي مرميدة والعمري بمصر تسير هذه
الظاهرة جنباً إلى جنب مع فصل مطامير الحبوب داخل الأكواخ، بدلاً عن المطامير
الجماعية المشتركة المسجلة في موقع الفيوم الأقدم (Hassan 1988:
154-5; Midant-Reynes 2000:
116). في منطقة الصحراء، تتغير
مناظر الفن الصخري للطور البقري مما كانت عليه في طور الرؤوس المستديرة الأسبق، مع
تصوير أقل للأشكال الأنثوية في الرسوم التى تتوافق مع ظهور أيديولوجيا رعوية تراعي
أهمية أكبر للأشكال الذكورية (Barich 1998; Gifford-Gonzalez 1998).
رغم
عدم وجود بينة لهذا النوع من المطامير أو الزرائب الفردية في الخرطوم النيوليتية،
فإن العديد من المؤشرات تشير إلى بداية عدم مساواة اجتماعية آخذة في البروز في
المنطقة. ففي جبانة الكدرو النيوليتية، فإن كل من الوضع والمرفقات الجنائزية في
المقابر استخدمت لتمييز الموتى (Krzyzaniak 1991: table 1, figs. 2-3)،
غالباً وفق وضعهم الاجتماعي (Binford 1971: table 4).
أهمية الرجال في الموقع جلية، 20
من بين 28 مقبرة لأفراد بالغين يمكن
التأكيد عليها، وست من الثماني الأكثر ثراءً تنتمي لأفراد ذكور (Krzyzaniak 1991: table 2).
أدوات صنعية اجتماعية تقنية مهمة، مثل رؤوس صولجانات من حجر سماقي تم العثور عليها
في كل الحالات في ارتباط بمقابر أفراد ذكور بالغين. تنسب إلى مقابر النخب
الاجتماعية أيضاً مرفقات جنائزية تشمل أصداف بحرية وموضوعات من
الملاكيت/الأمازونيت المستوردة من الخارج (Ibid.: 531).
حقيقة أن مقبرتين من بين المقابر الأكثر ثراءً كانتا خاصتين بأطفال يمكن أن تشير
إلى أن الامتيازات لا تكتسب فقط خلال حياة الفرد لكنها موروثة، كما تم افتراضه
كسمة خاصة بالمجتمعات التراتبية المشيخية (Peebles and
Kus 1977).
الدليل على أن هذه العملية كانت مستمرة بلا توقف في السودان الأوسط يأتي من جبانات
الكدادة، حيث تُظهر المقابر فقط بعد قرون قليلة لاحقة (تؤرخ الكدرو بـ 5900-5000
سنة مضت؛ والكدادة بـ 4800-4600
سنة مضت) مدى واسع من الاختلافات في ثراء المرفقات
الجنائزية، بما في ذلك مدافن ثانوية للقرابين البشرية (Reinold 2000: 70-1).
قد
يكون موقع شيخ الأمين ذو علاقة بهذا الموضوع. لقد تم تنقيبه بصورة شاملة على مساحة
140 متر مربع، مع ذلك لم يتم
الكشف عن أي مؤشر لوجود مدافن بشرية نيوليتية. شقوف من أواني فخارية والتي تُعد
شارات امتياز وارتبطت تحديداً بالمقابر، مثل الأقداح ذات الفم المتوهج (Reinold 2002: fig. 4)
لم توجد هي الأخرى. حتى الأزاميل من الريوليت، والتي تم من الحين إلى الآخر تحديد
طبيعتها الاجتماعية التقنية (Haaland 1987:
221) يندر وجودها في الموقع حيث تم
الكشف فقط عن 26 قطعة منها. في الإقامة
النهرية النيوليتية في الشهيناب حسبت 467 قطعة
بعد استبعاد المكسر منها (Arkell 1953: 31).
يشير انعدام بينة إلى تنظيم مساواتي أكثر للمجموعة مقارنة بالجماعات التى عاشت في
المواقع النهرية، احتمالاً في ارتباط بتكيفها الاقتصادي القائم على الصيد/الجمع مع
عنصر رعي محدود (13.1 % من العظام التى تم التعرف
عليها، انظر Chaix 2003: table 12). ناقش العديد من الباحثين
الصعوبات التى يواجهها الصيادون الحاليون عندما يخطون باتجاه إنتاج الطعام، بخاصة
دمج الرعاوة (Smith 1990; Marshall 2000: 215)،
على أساس البينة الحالية عن الصيادين الذين يعيشون على هامش المجتمعات الرعوية (Smith 1998: 26)،
واستمرارية الصيد عنصراً للرعاوة المعممة (Marshall and Hildebrand 2002: 121).
غالباً
ما يمثل موقع شيخ الأمين تكيفاً قصير الأجل لنظام بيئي سافانا، يقوم على تدبير
طعام متعدد الموارد في قرى صغيرة شبه مستقرة. يمكن أن يتوافق كهف شقدود، وهو معسكر
دائم لصيادين/جامعين بدون مواشي حتى تاريخ متأخر للغاية، مع التكيف نفسه لمجموعات
تعيش بعيدة عن النيل في الفترة نفسها تقريباً (Marks and Mohammed-Ali 1991).
تتجلى
التغيرات الثقافية والاقتصادية في السجل الآثاري بعد عدة قرون لاحقة. تقدم مواقع
نيوليتية متأخرة قمنا بدراستها خلال أعمال المسح التى أجريناها، مثل رابوب، وود
الأمين والمؤرخين بفترة تعقب 4500 سنة
مضت، سمات مختلفة نوعاً ما. يتبع التوزيع السطحي للأدوات الصنعية نموذج "ركام
سطحي عريض sheet midden" الذى تم تفسيره بوصفه نتاجاً لإعادة الحياة الفصلية في
الموقع، مع تشييد الناس لخيامهم أو أكواخهم المؤقتة واختيارهم لمناطق الفضلات في
أماكن مختلفة كل عام (Sadr 1991: 21-3).
مخطط الموقع في شيخ الأمين مختلف، مع تلال ركام متجمعة محاطة بمناطق خاوية -
مناطق سكنية منظفة - يمكن أن تتوافق مع إقامة دائمة أو على الأقل
"متوسطة" المدى عاش الناس فيها لفترة طويلة في المنشئات نفسها (Ibid).
من ثم يلاحظ تحول إلى نظام اقتصادي أكثر حركية في نهاية العصر النيوليتي،
والذى يمكن أن يتوافق مع بداية اقتصاد رعوي مكثف أكثر في المنطقة كما جادل العديد
من الباحثين (Krzyzaniak 1978; Haaland 1987;
Caneva 1988b).
يدلل
تحليل الفخار والإحصائيات للمواقع النيوليتية المنقبة إلى أن هناك استمرارية
معتبرة لكل من تقنيات تصنيع الفخار وأشكال الزخرف على امتداد الفترة (Fernández
et al. 2003a: fig. 56). نماذج مماثلة لنوع من تنوع
آثاري تم طرحها في أماكن أخرى بوصفها بينة لديمومة ثقافية وديموغرافية غير متقطعة
(بالنسبة للايبي باليوليتي في المغرب انظر Lubell
et al. 1984: fig. 3.4). بالتالي يبدو، على عكس البينة
المشار إليها أعلاه بالنسبة لبداية الفترة، أنه لا يوجد دليل على فجوة ثقافية و/أو
ديموغرافية خلال النيوليتي السوداني كما تم افتراضه من قبل هالاند (1987, 1992).
يبدو أكثر احتمالاً أن تكون نفس مجموعات البطانة النيوليتية المبكرة من شيخ الأمين
ومواقع أخرى مثل الأحامدة (Fernández
et al. 2003a: section 7)، قد أخذت باستمرار في هجران
اقتصادهم المستقر وتبنوا اقتصاداً رعوياً أكثر حركية. التوسع الناتج لمناطقهم
السنوية فرض المزيد من الصلات مع مجموعات شرق السودان، كما ينعكس ذلك في زيادة
الزخرف المطبوع البسيط في جرارهم على امتداد الفترة.
التزايد
المتصاعد لظروف الجفاف في المنطقة (Wickens 1982:
44-7; Hassan 2002:
323) كان في الغالب أحد الأسباب
الأساسية لتحرك جماعات السافانا المتزايد. لكن المناطق النهرية كانت لازالت أكثر
ملائمة للاستقرار الإنساني ومع ذلك تبدو فاقدة كلياً لبقايا آثارية من هذه الفترة.
لاحقاً تأتي فترة تتميز بعدم وجود أية بقايا آثارية في كلا المنطقتين النهرية
والسافانا، مع استثناء محتمل لبعض التلال الجنائزية (Caneva 2002).
تتوافق هذه الفترة تقريباً مع الفاصل بين 4000
و 2500 سنة مضت (حوالي 2500
- 700 ق.م. معايرة) يُعلم التاريخ الأخير بداية المرحلتين
النبتية - المرَّوية في الألفية الأولى ق.م. هذا "الاختفاء" للثقافات
النيوليتية المتأخرة في السودان الأوسط تم ربطه بزوال المجموعة الأولى النوبية،
كلاهما في الغالب بسبب التحولات في ميزان القوة في مصر وشمال السودان، تحديداً
بروز الدولة المصرية ومملكة كوش في كرمة (Caneva 1988b: 371).
أصل خارجي تم افتراضه من قبل هالاند (1987: 224-231, 1992: 58-61)
التى تطرح سيناريو مثير للتنافس بين المجموعات المتحدثة بلغات نيلية صحراوية مع
تكيف متعدد الموارد (الخرطوم النيوليتية) والرعاة المتحدثين بلغات كوشية (تقليد
البطانة- خشم القربة). المجموعة الأولى يمكن أن تكون قد هاجرت باتجاه الجنوب،
محافظة على نمط حياتها في أنظمة بيئية رطبة في حين كانت منطقة الخرطوم مأهولة
بالمجموعات الثانية القادمة من شرق السودان. الكشف عن مدافن تلية مؤخراً في منطقة
الخرطوم، والمؤرخة بـ 3220
سنة مضت ومع فخار بارز إلى الوراء مشابه لفخار ثقافة المدافن النوبية المغورة pan-graves في شمال السودان ومجموعة مكرم في
شرق السودان (Caneva 2002)، أسلاف البجة
الحاليين المتحدثين بالكوشية (Sadr 1990)،
قد يبدو دعماً إضافياً لفرضية صلة ثقافية في السودان الأوسط.
نتائج
المسح الذى نفذناه لا تؤكد على كل مثل هذه الاستنتاجات. يحمل الفخار من المواقع
النيوليتية المتأخرة فقط بعض التشابهات مع المصنوعات الشرقية، ويبدو أن تنوعاً
تدريجياً أساسياً في أشكال الزخرف خلال الأزمان النيوليتية المبكرة والمتأخرة
يستمر بدون انقطاعات مهمة حتى لحظة ظهور
المصنوعات اليدوية المزخرفة للعصر المرَّوي (Fernandez
et al. 2003a: section 7). إضافة، لم تكن اللغة التى
كتبت بالخط المرَّوي في نهاية الألفية الأولى السابقة للميلاد والقرون الميلادية
الأولى، والتي غالباً ما كانت مستخدمة في الحديث في أنحاء كثيرة من السودان
الأوسط، كوشية لكنها انتمت إلى أو على الأقل كانت ذات علاقة بعائلة اللغات النيلية
الصحراوية (Bender 2000: 56).
يكشف
الاستقصاء الآثاري للجبانات السودانية النيوليتية، مثل كدروكة والكدادة، أن مرحلة
تكاد تكون "ما قبل أسرية" تم الوصول إليها في النوبة والسودان الأوسط
تقريباً في الوقت نفسه، النصف الثاني من الألفية السادسة النصف الأول من الألفية
الخامسة، أي، في نهاية الألفية الخامسة وخلال الألفية الرابعة ق.م. وفق التواريخ
المعايرة (Reinold 2000: 58-85).
مع ذلك فإن الانتقال إلى تنظيم دولة تم فقط في المنطقة الشمالية، مع بزوغ مملكة
كرمة. اللافت للانتباه أن وادي النيل النوبي، مثله مثل وادي النيل المصري، يستجيب
إلى شرط مسبق هام واحد وهو الذى يجادل كارنيرو
(Carneiro 1970) بشأنه
في نظريته المشهورة عن الدولة، تحديداً "المحدد البيئي". يظهر هذا الظرف
عندما يعيش سكان متزايدون في منطقة محصورة، تحدها الجبال، والغابات، والصحارى أو
البحار (Claessen and
Skalník 1978: 13).
الصحارى الممتدة لم تكبح مجموعات السودان الأوسط وجعلت وفرة أراضي قريبة ملائمة
وغير مأهولة أمراً ممكناً لتلك المجموعات تفادي الانتقال إلى تنظيم اجتماعي لا
مساواتي.
معروف
أن مجتمعات الصيد والزراعة البسيطة تتبع بصورة شاملة إستراتيجيات معتادة للحفاظ
على المساواة الاجتماعية (Clastres 1978).
واحدة من تلك الاستراتيجيات قد تكون في هذه الحالة التحول إلى اقتصاد أكثر تحركاً
بما يقارب الرعاوة المتخصصة. بدلاً عن تبني إستراتيجيات زراعية - رعوية في السهول
الغرينية كما فعلت المجتمعات المصرية والنوبية، تختار مجموعات الساحل النيلي
الهروب من النهر والتجول في السافنا المتزايدة الجفاف. (هل يمكن لهذا الظرف أن
يكون سبباً أساسياً لتباطؤ النشاطات الزراعية في المنطقة؟) عدت المجتمعات البدوية
الأفريقية عادة بوصفها جوهرياً أنظمة حكم مساواتية، في الكثير من الحالات بدون
سلطة مركزية وتسودها أيديولوجيا "ديمقراطية" (Bonte and
Galaty 1991: 23-4).
القاعدة المادية لهذا الظرف تكمن في حقيقة أن ثروة الماشية، وإعادة الإنتاج
الذاتية، والحركية لا يمكن السيطرة عليها ببساطة وأن يصعب على الرعاة المترجلين
على أقدامهم استغلال عمل آخرين بحجم كبير (Goldschmidt 1979: 23).
أحد أفضل الأمثلة المشهودة تاريخياً "للديمقراطية الرعوية"، القريبة
جغرافياً من منطقتنا، هو شعب الأرومو في جنوب إثيوبيا وشمال كينيا (Legesse 2001).
رغم أنهم في الأصل يعيشون في إطار مساواتي، فإن الأرومو أصبحوا يعيشون حكماً
مطلقاً بصورة متزايدة في الأزمان الحديثة (Hultin 1979)، وتمددوا عن طريق
الغزو في امتداد واسع بجنوب إثيوبيا ودمجوا عدداً من المجتمعات غير المعقدة في
ممالكهم (Hassen 1994).
انتمت
بعض تلك المجتمعات المساواتية إلى مجموعة مجتمعات نيلية صحراوية أكبر في الحدود
الإثيوبية السودانية التى ذكرناها آنفاً (Grottanelli 1948; Cerulli 1959;
Murdock 1959: 170-80).
تاريخياً لجأ السكان في هذه المنطقة إلى تقاليد ثقافية لتجنب الخضوع والاندماج
الثقافي، كمثال لـ "المقاومة الثقافية" أو "الريفية المتجذرة"
(Jedrej 1995: 3).
تم تسجيل التشديد على الثقافة المادية التقليدية ورفض التجديدات في حالات أخرى
معروفة لدمج الهُويَّة والمقاومة (e.g. Levi 1998).
فُسر بناء المدافن الكبيرة، رغم اختلاف محتواها عن الثقافات الميجاليثية الأوربية،
بوصفه وسيلة مقاومة ضد الانقسام الاجتماعي (Criado 1989:
91-2). كمحاولة جماعية شديدة الارتباط
بالمجال الرمزي، يمكن أن تكون التلال الجنائزية في السودان الأوسط شكلت نموذجاً
مميزاً لطقوس احتفالية، بمعنى استهلاك لقوة عمل جماعية من أجل مصلحة المجموعة
بكاملها.
أصبح
تنظيم الدولة مثبتاً في النهاية في السودان الأوسط في أزمان مملكتي نبتة ومروي.
ساد النظام الاجتماعي نفسه على امتداد فترة مملكة علوة المسيحية في القرون الوسطى
وسلطنة الفونج الإسلامية في سنار حتى الاحتلال المصري في 1821
ميلادية. لكن تلك الحكومات كانت أنظمة نهرية في الأساس، وتكشف نتائج المسوحات
الآثارية السابقة في البطانة (Hintze 1959)
ومعطياتنا الخاصة عن القليل من مواقع الإقامة، إذ كانت المواقع الآثارية الأساسية
من تلك الفترات متمثلة مرة أخرى في تلال الدفن (Fernández
et al. 2003a: section 8).
تشهد
بعض المعطيات اللغوية والتاريخية في المنطقة على وجود تحركات سكانية وصلات على
امتداد سهل البطانة والنيل الأزرق، تربط السودان الأوسط وجرف الهضبة الإثيوبية.
بداية انفصال لغات كوناما، وهى لهجة يتحدث بها اليوم في جنوب غرب ارتريا، ولغات
الكومان، المتحدث بها في وسط الحدود الإثيوبية السودانية، عن مجموعات اللغة الشمال
سودانوية الأولى والنيلية لصحراوية الأولى (Ehret 2000:
273-7). يمكن تفسير تلك بوصفها
أولى الانقسامات التاريخية للسكان النيليين الصحراويين الأوائل عن السلالة
الموجودة في السهول الصحراوية والسودانية. من ثم لدينا التشابهات الملاحظة بين
اللغتين المرَّوية والباريا، وهذه الأخيرة هي لغة نيلية صحراوية ارترية، الناتجة
عن تأثير لغة الدولة على السكان في المناطق الحدودية (Trigger 1964; Bender 1981; 2000: 56).
تم ربط المرَّوية كذلك بلغات الكومان (Shinnie 1967:
132, n. 7).
تشير معلومات الرحالة العرب القروسطيين إلى أن السكان الكوناما والباريا كانوا قد
استقروا في تلك الفترة بالقرب من حاضرة مملكة علوة المسيحية، والتي يستخلص منها أن
هجرتهم تمت منها لاحقاً إلى الأراضي المرتفعة (Murdock 1959: 170; Pankhurst 1977: 3).
يشير التاريخ الشفهي للسكان البرتا، الذين يعيشون حالياً في جانبي الحدود الوسطى،
أنهم أيضاً ارتحلوا إلى الأراضي المرتفعة من الأجزاء الجنوبية لمملكة سنار في
أزمان حديثة (Triulzi 1981:
21-5).
احتفظت
كل تلك المجموعات الحدودية بنشاطات صيد/جمع حتى وقت قريب جداً، ورغم أن بعضها مارس
رعي الأبقار، فإن أولئك في الجرف الغابي كانوا يمارسون الزراعة المعزوقة (Cerulli 1956:
179). الشح الحالي أو قلة الأهمية
للمواشي، على كل، لا تعنى الظروف نفسها في الماضي، طالما أن المجموعات قد تكون
فقدتها بسبب التأثيرات المؤذية للمثقبيات في الغابات على الأبقار عند وصول الأخيرة
من السهول إلى الأراضي المرتفعة (Gifford-Gonzalez 2000: 119-23).
كان التنظيم الاجتماعي لتلك المجتمعات مساواتي في الأساس حتى أزمان قريبة (Grottanelli 1948:
311-5; Murdock 1959: 176).
ما
يتوفر لنا من كل تلك المعلومات يحتمل عده جزءاً من عمليات تاريخية طويلة الأمد في
منطقة الساحل الشرقية. قرب منطقة جبلية غابية ورعدية قد يكون شكلَّ قوة جاذبة
كمنطقة لجوء لمجموعات صغيرة مستقلة دمجت بين نظام اجتماعي مساواتي وانتماء لغوي
عام لعائلة اللغات النيلية الصحراوية. تشير لغاتهم المحددة التى تنتمي إلى
ست فروع للعائلة (Bender 2000:
44-6) إلى أن أولئك الناس وصلوا إلى
"المقدس" في أزمان تاريخية مختلفة. حتى في قارة تميزت تاريخياً بأكثر
الأنظمة مساواتية اقتصادياً وسياسياً، أو بسبب هذا الظرف تحديداً، قاومت الجماعات
التقليدية بداية "التعقد" والتبعية بكل الوسائل، باللجوء فعلياً إلى
التراجع في تلك العصبة المعقدة المحتمية بركن الأراضي المرتفعة والتي أسماها ايفانز
بريتشارد (Pritchard 1940)
"رواق الموت" (Johnson 1986: 219).
فيما
بعد، باستثناء حملات الاسترقاق المتقطعة، عاش أولئك السكان الشانكيلا (السود،
العبيد) لقرون في وضع مستقل مقبول على حافة الممالك السودانية والإثيوبية، كما
تشير المعطيات من الرحالة الأجانب إلى الأراضي المرتفعة. يمكن أن يكون وضعهم
الدوني الحالي (e.g. Donham 1986:
12) نتاج للتوسع الأبسيني في القرن
التاسع عشر أكثر منه نتاج نشاطات استرقاق سابقة. اللاجئون السودانيون الذى استقروا
مؤخراً في الجانب الإثيوبي للحدود نتيجة الحرب الأهلية يمثلون شاهداً على
استمرارية هذه العملية، والتي بدأت في الأزمان ما قبل التاريخية، حتى اليوم. في
مثل هذه الحالات مثل توامبا (أدوك) أعيد توطين كامل المجموعة الاثنية، حوالي 20.000
نسمة، في مناطق اللجوء القديمة (James 1994)،
والتي تسمى حالياً معسكرات تسورى، وبونجا أو شيركولى.
ALMAGRO
BASCH, M. (1946): Prehistoria del Norte de África y del Sáhara Español. Instituto de Estudios Africanos,
Consejo Superior de Investigaciones Científicas, Barcelona.
ARKELL, A.J.
(1949a): Early Khartoum .
An account of the excavation of an early occupation site carried out by the Sudan
Government Antiquities Service in 1944-5. Oxford University
Press, Oxford .
ARKELL, A.J.
(1949b): The Old Stone Age of the Anglo-Egyptian Sudan . Sudan
Antiquities Service Occasional Papers no. 1, Khartoum .
ARKELL, A.J.
(1953): Shaheinab. An account of the excavation of a Neolithic
occupation site carried out for the Sudan Antiquities Service in
1949-50. Oxford University Press, Oxford .
BAILEY, R.C.; HEADLAND, T.N. (1991): 'The tropical rainforest: is it a productive
environment for human foragers?' Human Ecology, 19: 261-285.
BARAKAT, H.; FAHMY, A.G. (1999):'
Wild Grasses as “Neolithic” Food in the Eastern Sahara :
A Review of the Evidence from Egypt '.
The Exploitation of Plant Resources in Ancient Africa
(M. Van der Veen, ed.), Kluwer-Plenum Press, New York : 33-46.
BARICH, B.
(1998): 'Social variability among Holocene Saharan groups. How
to recognize gender'. In Kent
1998: 105-114.
BENDER, M.L.
(1981): 'The Meroitic Problem'. Peoples and Cultures of the
Ethio-Sudan Borderlands (M.L. Bender, ed.), African Studies Center, Michigan State University :
5-32.
BENDER, M.L.
(1982):' Livestock and Linguistics in North and East African
Ethnohistory'. Current Anthropology, 23(3): 316-317.
BINFORD, L.R.
(1971): Mortuary practices: their study and their potential. American
Antiquity, 36: 6-29.
BLENCH, R.
(1993): 'Recent developments in African language classification
and their implications for Prehistory'. The Archaeology of Africa .
Food, metals and towns (T. Shaw, P. Sinclair, B. Andah and A. Okpoko, eds.),
Routledge, London :
126-138.
BONTE, P.; GALATY, J.G. (1991):
'Introduction. Herders, Warriors, and Traders'. Pastoralism in Africa (J.G. Galaty and P. Bonte, eds.), Westview Press, Boulder : 1-30.
CANEVA, I.
(ed.) (1983): 'Pottery-using hunters and gatherers at Saggai (Sudan ):
Preconditions for Food Production'. Origini 12, Roma.
CANEVA, I. (ed.) (1988a): El Geili: the history of a Middle Nile
environment 7000 B.C. - A.D. 1500. Cambridge
Monographs in African Archaeology 29. BAR International Series 424, Oxford .
CANEVA, I.
(1988b): 'The history of a Nilotic environment: a suggested
cultural model'. In Caneva 1988a: 359-377.
CANEVA, I.
(1999):' I pastori del
Sudan .
Simbiosi
e competizione ai margini delle società urbane'. La
Ricerca Folklorica, 40: 31-36.
CANEVA, I.
(2002): ' Second Millennium
BC Pastoral Cultures in the Nile Valley :
The Ghosts of the Khartoum
Province . Tides of the
Desert'. Gezeiten der Wüste. Beiträge zu Archäologie und Umweltgeschichte
Afrikas zu Ehren von Rudolf Kuper, Africa Praehistorica 14, Heinrich Barth
Institut, Köln: 231-237.
CANEVA, I.; MARKS, A.E. (1990): 'More on the Shaqadud pottery: evidence for
Saharo-nilotic connections during the 6th-4th millenium B.C'. Archéologie du
Nil Moyen, 4: 11-35.
CANEVA, I.; GARCEA, E.A.A.; GAUTIER, A.;
VAN NEER, W. (1993): 'Pre-pastoral cultures along the Central Sudanese Nile '. Quaternaria Nova, 3: 177-252.
CERULLI, E.
(1956): Peoples of South-West Ethiopia and its Borderland.
Ethnographic Survey of Africa 3, International
African Institute, London .
CHAIX, L. (2003): 'La faune des sites mésolithiques et
néolithique de la zone du Nil Bleu (Soudan Central)'. The Blue Nile Project. Holocene Archaeology in Central Sudan
(V.M. Fernández, ed.), Complutum 14, Madrid :
373-396.
CLARK, J.D.
(1989): 'Shabona. an Early Khartoum settlement on the White
Nile '. Late Prehistory of the Nile Basin
and the Sahara (L. Krzyzaniak and M.
Kobusiewicz, eds.), Archaeological Museum, Poznan : 387-410.
CLARK, J.D.; PHILLIPS, J.L; STALEY, P.S. (1974): 'Interpretation of Prehistoric Technology from Ancient
Egyptian Bows and Arrows and their Relevance for African Prehistory'.
Paleorient, 2(2): 323-388.
CLASTRES, P.
(1978): Society against the State. Essays in Political Anthropology.
Blackwell, Oxford .
CLOSE, A.E.
(1992): 'Holocene Occupation of the Eastern
Sahara . New Light on the Northeast African Past'. Current
Prehistoric Research (F. Klees and R. Kuper, eds.), Heinrich Barth
Institut, Cologne :
155-183.
CLOSE, A.E. (1995): 'Few and Far Between. Early Ceramics in Northern Africa '. The Emergence of Pottery. Technology
and Innovation in Ancient Societies (W.K. Barnett and J.W. Hoopes, eds.),
Smithsonian Institution, Washington :
23-37.
COMMELIN, D.; GARCEA, E.A.A.; SEBASTIANI, R. (1992): 'A review of the archaeological material from Tintan
and Chami (Atlantic coast of Mauritania )'.
Quaternaria Nova, 2: 111-159.
COPPA, A.; MACCHIARELLI, A. (1983):
'Human skeletal remains from the Mesolithic site of Saggai 1 (Sudan ). A descriptive
and comparative anthropological study'. In Caneva 1983: 116-136.
COQUERY-VIDROVITCH, C. (1969): 'Recherches sur un mode de production africain'. La Pensée, 144: 61-78.
CREMASCHI, M.; DI LERNIA,
S. (eds.) (1998): Wadi Teshuinat Palaeoenvironment and Prehistory in
South-western Fezzan (Lybian Sahara). Survey
and excavations in the Tadrart Acacus, Erg Uan Kasa, Messak Settafet and Edeyen
of Murzuq, 1990-1995. All’Insegna del
Giglio, Milano.
DAVID, N.
(1982): 'The BIEA Southern Sudan Expedition of 1979:
interpretation of the archaeological data'. In Mack and Robertshaw 1982: 49-57.
DAVID, N.; HARVEY, P.; GOUDIE, C.J. (1981): 'Excavations in Southern Sudan ,
1979'. Azania , 16: 7-54.
DI LERNIA, S.; MANZI, G. (eds.) (1998): Before food production in North
Africa . Questions and tools dealing with resource exploitation
dynamics at 12000- 7000 bp. A.B.A.C.O. Edizioní. M.A.C. sr1, Forlì.
DONHAM, D.L. (1986): 'Old Abyssinia and the
new Ethiopian Empire: themes in social history'. In Donham and James 1986:
3-48.
DONHAM, D.L.; James, W. (eds.) (1986): The Southern Marches of Imperial Ethiopia . Cambridge University
Press, Cambridge .
EDWARDS, D.N.
(1996): 'Sorghum, Beer and Kushite Society'. Norwegian
Archaeological Review, 29(2): 65-77.
EHRET, C.
(1982): 'Population movement and culture contact in the Southern Sudan , c. 3000 BC to AD 1000: a preliminary
linguistic overview'. In Mack and Robertshaw 1982: 19-48.
ELAMIN, Y.M.
(1987): 'The Later Palaeolithic in Sudan in the light of new data from
the Atbara . Nubian Culture Past and Present',
(Main Papers presented at the Sixth International Conference for Nubian Studies
in Uppsala, 11-16 August 1986) (T. Hagg, ed.), Uppsala : 33-46.
EVANS-PRITCHARD, E.E. (1940): The
Nuer. A Description of the Modes of Livelihood and Political Institutions of a
Nilotic People. Clarendon Press, Oxford .
FATTOVICH, R.; MARKS, A.E.; MOHAMMED-ALI, A. (1984): 'The archaeology of the Eastern Sahel , Sudan :
preliminary results'. The African Archaeological Review, 2: 173-188.
FERNÁNDEZ, V.M. (1982): 'El cementerio Kerma de Abri-Amir Abdallah (Provincia del
Norte). Excavaciones de la Misión Arqueológica Española en El Sudán'. Trabajos
de Prehistoria, 39: 279-334.
FERNÁNDEZ, V.M.; JIMENO, A.; MENÉNDEZ, M.;
LARIO, J. (2003a): 'Archaeological survey
in the Blue Nile area, Central
Sudan '. The Blue Nile Project.
Holocene Archaeology in Central Sudan
(V.M. Fernández, ed.), Complutum 14, Madrid :
201-272.
FERNÁNDEZ, V.M.; JIMENO, A.; MENÉNDEZ, M. (2003b):' Archaeological excavations in prehistoric sites of the
Blue Nile area, Central
Sudan '. The Blue Nile Project.
Holocene Archaeology in Central Sudan
(V.M. Fernández, ed.), Complutum 14:, Madrid :
273-344.
FOX, C.L.
(1997): 'MtDNA analysis in ancient Nubians supports the
existence of gene flow between sub-Sahara and North Africa
in the Nile Valley '. Annals of Human Biology,
24(3): 217-227.
GABRIEL, B.
(1977): Zur ökologischen Wandel im Neolithikum der östlichen
Zentralsahara. Berliner Geographische Abhandlungen, 27: 1-111.
GALLAY, A. (1987): Notes sur la géologie et les representations rupestres
du Sahara Central. Documents du Département d’Anthropologie 10, Université de
Genève, Geneva.
GARCEA, E.A.A. (1993): Indagine sulla diffusione
dell’orizonte “Early Khartoum” nella media e alta valle del Nilo (Sudan). Africa
(Roma), 48(2): 184-198.
GARCEA,
E.A.A. (1998): From Early Khartoum
to Saharan Neolithic: Ceramics in Comparison. Cahier de Recherches de l’Institut
de Papyrologie et d’Égyptologie de Lille, 17(3): 91-104.
GARCEA, E.A.A. (ed.) (2001): 'Uan Tabu in the Settlement History of the Lybian
Sahara'. Arid Zone Archaeology Monographs 2, All’Insegna del Giglio, Milano.
GAUTIER, A.
(1988): Notes on the animal bone assemblage from the Early
Neolithic site at Geili (Sudan ).
In Caneva 1988a: 57-63.
GIFFORD-GONZALEZ,
D. (2000): 'Animal disease challenges to the emergence of
Pastoralism in Sub-Saharan Africa '. African
Archaeological Review, 17(3): 95-139.
GOLDSCHMIDT,
W. (1979): 'A general model for pastoral social systems'. Pastoral Production and Society (L’Equipe écologie et anthropologie
des sociétés pastorales, ed.), Cambridge University Press-Editions de la Maison
des Sciences de l’Homme, Cambridge-Paris: 15-27.
GROTTANELLI,
V.L. (1948):' I Pre-Niloti: una arcaica provincia culturalle in Africa '. Annali Lateranensi, 12: 280-326.
HAALAND, R.
(1987): Socio-economic differentiation in the Neolithic Sudan . Cambridge Monographs in
African Archaeology 20, BAR International Series 350, Oxford .
HAALAND, R.
(1992): 'Fish, pots and grain: Early and Mid-Holocene
adaptations in the Central Sudan '. The
African Archaeological Review, 10: 43-64.
HAALAND, R.
(1995): 'Pottery materials: a discussion of the emergence and
consequences of pottery production'. In Haaland and Magid 1995: 84-122.
HAALAND, R.
(1996): 'A socio-economic perspective on the transition from
gathering to cultivation and domestication: a case study of sorghum in the
middle Nile region'. Aspects of African
Archaeology (G. Pwiti and R. Soper, eds.), University of Zimbabwe
Publications, Harare .
HAALAND, R.
(1999): 'The puzzle of the late emergence of domesticated
sorghum in the Nile valley. The Prehistory of
Food'. Appetites for Change (C. Gosden and J. Hather, eds.), Routledge, London : 397-418.
HAALAND, R.; MAGID, A. (eds.) (1995): Aqualithic Sites along the Rivers Nile
and Atbara , Sudan . Alma Mager, Bergen .
HASSAN, F.A.
(2002): 'Conclusions: Ecological changes and food security in
the Later Prehistory of North Africa : Looking
forward'. Droughts, Food and Culture: Ecological Change and Food Security in
Africa ’s Later Prehistory (F.A. Hassan,
ed.), Kluwer Academic/Plenum Publishers, New
York : 321-333.
HAYS, T.R.
(1971): The Sudanese Neolithic: A Critical Analysis. Southern Methodist University Ph.D., University Microfilms,
Ann Arbor , Michigan .
HEINE, B.; NURSE, D. (eds.) (2000): African Languages. An Introduction. Cambridge University
Press, Cambridge .
HINTZE, F.
(1959): 'Preliminary Report of the Butana Expedition 1958, made
by the Institute for Egyptology of the Humboldt University ,
Berlin '. Kush, 7: 171-196.
HULTIN, J.
(1979): 'Political structure and the development of inequality
among the Macha Oromo'. Pastoral Production and Society (L’Equipe écologie et anthropologie
des sociétés pastorales, ed.), Cambridge University Press-Editions de la Maison
des Sciences de l’Homme, Cambridge-Paris: 283-294.
JAMES, W. (1994):
'War and ‘ethnic visibility’: the Uduk on the Sudan-Ethiopia border'. Ethnicity
and Conflict in the Horn of Africa (K.
Fukui and J. Markakis, eds.), James Currey, London : 140-164.
JEDREJ, M.C.
(1995): Ingessana. The Religious Institutions of a People of
the Sudan-Ethiopia Borderland. E.J. Brill, Leiden .
JOHNSON, D.H.
(1986): On the Nilotic frontier: Imperial Ethiopia in Southern Sudan . In Donham and James 1986: 219-245.
KHABIR, A.M.
(1987): 'New Radiocarbon Dates for Sarurab 2 and the Age of the
Early Khartoum
Tradition'. Current Anthropology, 28(3): 377-380.
KRZYZANIAK,
L. (1978): 'New Light on Early Food Production in the Central Sudan '. Journal of African History, 19
(2): 159-172.
KRZYZANIAK,
L. (1991): 'Early farming in the Middle Nile
Valley : recent
discoveries at Kadero (Central Sudan )'.
Antiquity, 65: 515-532.
LARIO, J.; SÁNCHEZ-MORAL, S.; FERNÁNDEZ, V.M.; JIMENO, A.; MENÉNDEZ, M.
(1997): 'Palaeoenvironmental evolution of the Blue
Nile (Central Sudan ) during the
Early and Mid-Holocene (Mesolithic-Neolithic transition)'. Quaternary
Science Reviews, 16: 583-588.
LEGESSE, A.
(2001): Oromo Democracy: An Indigenous African Political
System. The Red See Press, Trenton .
LEVI, J.M.
(1998): 'The bow and the blanket: religion, identity and
resistance in Rarámuri material culture'. Journal of Anthropological
Research, 54(3): 299-324.
LIETH, H.; WERGER, M.J.A. (1989):
Tropical Rainforests Ecosystems. Biogeographical and Ecological Studies. Elsevier , New
York .
LÓPEZ SÁEZ, J.A.; LÓPEZ GARCÍA, P. (2003): 'Pollen Analysis from Early and Middle Holocene
Archaeological Sites in the Blue Nile Area, Central Sudan '. The Blue Nile
Project. Holocene Archaeology in Central Sudan
(V.M. Fernández, ed.), Complutum, 14, Madrid :
397-400.
LUBELL,
D.; SHEPPARD, P.;
JACKES, M. (1984): 'Continuity in the
Epipaleolithic of Northern Africa with
emphasis on the Maghreb '. Advances in World
Archaeology (F. Wendord and A.E. Close, eds.), Academic Press, New York : 143-191.
MACK, J.; ROBERTSHAW, P. (eds.) (1982): 'Culture History in the Southern
Sudan . Archaeology, Linguistics, Ethnohistory'. Memoirs of the
British Institute in Eastern Africa 8, Nairobi .
MAGID, A.
(1989): Plant Domestication in the Middle Nile
Basin . An
Archaeoethnobotanical Case Study. Cambridge
Monographs in African Archaeology 35, BAR International Series 523, Oxford .
MAGID, A.
(1995): 'Plant remains from the sites of Aneibis, Abu Darbein
and El Damer and their implications'. In Haaland and Magid 1995: 147-177.
MAGID, A.
(1999): 'Preliminary study of plant impressions in pottery'. The
Uan Afuda Cave .
Hunter-Gatherer Societies of Central Sahara
(S. di Lernia, ed.), Arid Zone Archaeology Monographs 1, All’Insegna del Giglio, Milano:
183-187.
MAGID, A.
(2003): 'Exploitation of food-plants in the Early and Middle
Holocene Blue Nile area, Sudan and
neighbouring areas'. The Blue Nile Project.
Holocene Archaeology in Central Sudan
(V.M. Four thousand years in the Blue Nile :
Paths to inequality and ways of resistance Víctor M. Fernández, ed.), Complutum
14, Madrid :
345-372.
MAGID, A.; CANEVA, I. (1998): 'Exploitation of food plants in the Early Holocene Central Sudan : a reconsideration'. In di Lernia and Manzi
1998: 79-89.
MARKS, A.E.
(1987): 'Terminal Pleistocene and Holocene hunters and
gatherers in the Eastern Sudan '. African
Archaeological Review, 5: 79-92.
MARKS, A.E.; MOHAMMED-ALI, A.; PETERS, J.; ROBERTSON, R. (1985): 'The Prehistory of the Central Nile
Valley as Seen from Its
Eastern Hinterlands: Excavations at Shaqadud ,
Sudan '. Journal
of Field Archaeology, 12: 261-278.
MARKS, A.E.; MOHAMMED-ALI, A. (eds.) (1991): The Late Prehistory of the Eastern
Sahel . The Mesolithic and Neolithic of Shaqadud , Sudan .
Southern Methodist
University Press, Dallas.
MARSHALL, F.
(2000): 'The origins and spread of domestic animals in East Africa '. The Origins and Development of African
Livestock: Archaeology, Genetics and Ethnography (R.M. Blench and K. C.
McDonald, eds.), University
College London Press, London : 191-221.
MARSHALL, F.; HILDEBRAND, E. (2002): 'Cattle Before Crops: The Beginnings of Food Production
in Africa '. Journal of World Prehistory,
16(2): 99-143.
MCBREARTY, S.; BROOKS, A.S. (2000):
'The revolution that wasn’t: a new interpretation of the origin of modern human
behavior'. Journal of Human Evolution, 39: 453-563.
MCINTOSH,
S.K. (1999): Pathways to complexity: an African perspective'.
Beyond Chiefdoms. Pathways to Complexity in Africa
(S.K. McIntosh, ed.), Cambridge
University Press, Cambridge : 1-30.
MIDANT-REYNES,
B. (2000): The Prehistory of Egypt . From the First Egyptians to
the First Pharaohs. Blackwell, Oxford .
MOHAMMED-ALI,
A.S. (1982): The Neolithic Period in the Sudan , c. 6000-2500 B.C. British
Archaeological Reports, International Series 139, Cambridge Monographs in African Archaeology
6, Oxford .
MURDOCK, G.P.; PROVOST, C. (1973):
'Factors in the division of labor by sex: a cross-cultural analysis'. Ethnology,
12: 203-225.
MUZZOLINI, A. (1986): L’art rupestre préhistorique des
massifs centraux sahariens. British Archaeological Reports, International
Series 318, Oxford.
NUZHNYI, D. (1989): 'L’utilization des microlithes
géométriques et non géométriques comme armatures de projectiles'. Bulletin de la Société Préhistorique Française,
86(3): 88-96.
PANKHURST, R.
(1977): 'The history of the Bareya, Shanqella, and other
Ethiopian slaves from the borderlands of the Sudan '. Sudan Notes and Records,
59: 1-43.
PAYNTER, R.
(1989): 'The archaeology of equality and inequality'. Annual
Review of Anthropology, 18: 369-399.
PEEBLES,
C.; KUS, S. (1977): 'Some archaeological correlates of ranked societies'.
American Antiquity, 42: 421-428.
PETIT-MAIRE, N.; DUTOUR, O. (1987):
'Holocene Populations of the Western and Southern Sahara :
Mechtoids and Paleoclimates'. Prehistory of Arid North
Africa . Essays in Honor of Fred Wendorf (A.E. Close, ed.),
Southern Methodist
University Press, Dallas:
259-285.
PRICE, T.D.; FEINMAN, G.M. (eds.) (1995): The Foundations of Social Inequality. Plenum Press, New York .
REINOLD, J.
(2001): 'Kadruka and the Neolithic in the Northern Dongola
Reach'. Sudan and Nubia, 5: 2-10.
REINOLD, J. (2002): Néolithique du Soudan Central et de Haute Nubie –
données sur le matériel céramique. Tides
of the Desert. Gezeiten der Wüste. Beiträge zu Archäologie und Umweltgeschichte
Afrikas zu Ehren von Rudolf Kuper, Africa Praehistorica, 14, Heinrich Barth
Institut, Köln: 203-218
ROBERTSHAW,
P. (1982): 'Eastern Equatoria in
the context of later eastern African prehistory'. In Mack and Robertshaw 1982:
89-100.
RUBIN, A.
(1988): Marks of Civilization: Artistic Transformations of the
Human Body. Museum of Cultural History, Los
Angeles .
SADR, K.
(1991): The Development of Nomadism in Ancient Northeastern Africa . University of Pennsylvania
Press, Philadelphia .
SANSONI, U. (1994): Le più antiche pitture del Sahara.
L’arte delle Teste Rotonde. Jaca Book,
Milano.
SANSONI, U.
(1998): 'Indications about the economic strategies as indicated
from the rock art of the central Sahara : the
“Round Heads” phase'. In Di Lernia and Manzi 1998: 147-162.
SCHILD, R.; WENDORF, F. (2002):
'Palaeo-ecologic and Palaeo-climatic Background to Socio-economic Changes in
the South Western Desert
of Egypt '.
Egypt
and Nubia .
Gifts of the Desert (R. Friedman, ed.), The British Museum ,
London : 21-27.
SHINER, J.L.
(1971): The Prehistory
and Geology of Northern Sudan . Report to the
National Science Foundation, Grant Gs 1192.
SMITH, A.B.
(1998): 'Intensification and transformation processes towards
food production in Africa '. In di Lernia and
Manzi 1998: 19-33.
STEMLER, A.
(1990): 'A scanning electron microscopic analysis of plant
impressions in pottery from the sites of Kadero, El Zakiab, Um Direiwa and El
Kadada'. Archéologie du Nil Moyen, 4: 87-105.
STEWART, K.M.
(1989): Fishing Sites of North and East
Africa in the Late Pleistocene and Holocene. Environmental Change
and Human Adaptation. British Archaeological Reports, International Series 521,
Oxford .
SUTTON, J.E.G
(1974): 'The aquatic civilization of middle Africa '.
Journal of African History¸15: 527-546.
TAY,
J.S.; SAHA, N. (1988): 'Genetic heterogeneity among the Negroid and Arab
tribes of the Sudan '.
American Journal of Physical Anthropology, 76 (2): 211-215.
TRANCHO, G.J.; ROBLEDO, B. (2003):
'Human skeletal remains from the Mesolithic site of Sheikh Mustafa (Central Sudan ). An anthropometric and palaeodietary
analysis'. The Blue Nile Project. Holocene
Archaeology in Central Sudan (V.M.
Fernández, ed.), Complutum 14, Madrid :
401-408.
TRIULZI, A.
(1981): Salt, Gold and Legitimacy. Prelude to the history of a
no-man’s land. Bela Shangul, Wallagga, Ethiopia (ca. 1800-1898). Istituto
Universitario Orientale, Seminario di Studi Africani, Naples .
WICKENS, G.E.
(1982): 'Palaeobotanical speculations and Quaternary
environments in the Sudan .
A Land between Two Niles '.
Quaternary Geology and Biology of the Central Sudan
(M.A.J. Williams and C.A.
Adamson, eds.), A.A. Balkema, Rotterdam :
23-50.
WOBST, H.M.
(1977): 'Stylistic behavior and information exchange'.
Papers for the Director: research essays in honor of James B. Griffin (C.
Cleland, ed.), University
of Michigan , Ann Arbor : 317-342.
مجلة الآثار│مجلة
الأنثروبولوجيا│نصوص
ملوك كوش│مؤتمرات علميَّة│عرض الكتب
والدراسات│ما
قبل تاريخ الصحراء الليبية
ملوك وملكات كوش│الديانة
الكوشية│الكتاب
الكلاسيكيون│تقنيات
البحث الآثاري│الثقافات
الأفريقية│الببليوغرافيا│الصفحة
الرئيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق