الأربعاء، 15 مارس 2017

شرق السودان : دلتا القاش في ما قبل التاريخ


أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســـودانية
مجلة الآثار السودانية/ العدد الخامس/ مارس 2004







شرق السودان : دلتا القاش في ما قبل التاريخ
لمحة موجزة عن أهم نتائج البحث الميداني في شرق السودان
أسامة عبدالرحمن النور







الواقع أنه حتى وقت قريب أهملت المراجع سكان شرق السودان القاطنين بمحاذاة الحدود الشمالية لإثيوبيا، من نهر عطبرة والبحر الأحمر والهضبة الإثيوبية، وظلت هذه المنطقة غير معروفة بالنسبة لعلماء الآثار والمؤرخين، باستثناء بينة محدودة جمعها آركل في أربعينيات القرن المنصرمArkell,1954  في أغوردات في وادي بركة الأوسط، وتلك التى جمعها شينر في ستينيات القرن الماضي Shiner,1971 بالقرب من خشم القربة في وادي عطبرة الأوسط. لأزمان طويلة عدت المنطقة أرضاً موحشة يقطنها بدو لم يسهموا في التاريخ الثقافي القديم لكوش ووادي النيل عموماً. وكان كتشن Kitchen,1971;1972 وبعض من الباحثين القلة قد طرحوا فرضية تقول بأن هذه المنطقة كانت هي "بلاد بونت" المسجلة في النصوص المصرية منذ الدولة القديمة.

البينة التاريخية الخاصة بشرق السودان ودلتا القاش شحيحة للغاية. لا يوجد ذكر مؤكد للمنطقة لا في النقوش المصرية ولا في النقوش النبتية والمروية. لكن طرح كل من زهلارز Zyhlarz,1958 وزيبليوس Zibelius,1972:170-171 رأياً بأن بلاد "جرس" المذكورة في قائمة البلدان لتحتمس الثالث تتطابق مع المنطقة الواقعة بين كسلا وقوز رجب. ويرى جارستانج Garstang et al.1911 أن "تسني" المسجلة في قوائم الأعداء على جدران معبد "اله الشمس" في مروي، تتطابق مع تسنيّ الاريترية الواقعة على القاش على بعد حوالي 40 كم إلى الجنوب من كسلا.  النقوش البارزة والنصوص التى تروي لنا وقائع البعثة التى أرسلتها الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت وجدت على جدران معبد الدير البحري. لأزمان طويلة ساد الاعتقاد بأن بلاد بونت تقع في منطقة القرن الأفريقي. حالياً فإن غالبية الباحثين يطرحون رأياً مغايراً يقول بموقع بلاد بونت في الساحل السوداني من البحر الأحمر  Берзина,1990. بالتالي، يرون بأن بلاد بونت شملت الساحل حتى الحدود الشمالية لارتريا والأرض الداخلية المجاورة للساحل. من ثم فإن العديد من الباحثين يرون بأن السفن المصرية المتجهة إلى بلاد بونت رست في المنطقة الحالية بورتسودان- سواكن. وقد ورد في نقش حتشبسوت اسم قبيلتي "نمي" و "إرم" ضمن القبائل في بلاد بونت التى قدمت الجزية للملكة. ويطرح اوكونور O’Connor 1984:117 رأياً يقول بأن "نمي" هي كتابة خاطئة لاسم "آمو"، وهى المكان الذى جلب منه المصريون الذهب. أما بخصوص "إرم" فقد دلل أوكونور بحجج قوية أن هذه القبيلة كانت تسكن إلى الشرق من النيل (وليس إلى الغرب منه كما ساد الاعتقاد)، تقريباً في منطقة ملتقى نهري عطبرة والنيل.

من بين أهم السلع التى سعى المصريون للاستحواذ عليها كان الذهب، وهو ما يتوفر بكثرة في مناطق عديدة من السودان، رغم أن استخراجه تطلب عملاً شاقاً. ومع أن الذهب لا بدَّ وأنه كان سلعة هامة في الأزمان السالفة، لكن استغلاله بصورة مكثفة بدأ مع المملكة المصرية الحديثة، وأن تأمين الوصول إليه كان من أسباب الاحتلال المصري للنوبة في المملكة الحديثة. كانت هناك عدة مناطق لاستخراج الذهب والتي وجدت طرق تقود إليها. جلب "ذهب الواوات" من التلال إلى الشرق من النوبة السفلى حيث تم الوصول إلى المناجم في الأساس عن طريق وادي العلاقي الذى يتجه إلى الجنوب الشرقي من المحرقة على النيل بعيداً إلى المنطقة الجبلية بمحاذاة البحر الأحمر (لمزيد من التفاصيل حول المناطق الغنية بالذهب انظر Vercoutter 1959). ويبدو أن البطالسة شددوا محاولاتهم السيطرة على النوبة السفلى بغرض تأمين الوصول إلى مناجم الذهب في تلال البحر الأحمر عبر الطرق التى فتحها فراعنة المملكة المصرية الحديثة.

ويبدو أن المصادر الهلنستية سجلت سكان يعيشون في أراضي القاش المنخفضة. فوفقاً لكونت روسيني Conti Rossini,1925;1928 فإن الميجاباري الذين ورد وصف لهم في عمل أجاثارخيد بوصفهم بدواً يؤلفون فرعاً من التروجليديين، قد يكونوا سكاناً لهذه المنطقة. ويمكن أن يكونوا أسلافاً للباريا الذين يعيشون في الوقت الحالي في غرب ارتريا على حد رأي كونتي روسيني Conti Rossini 1913.

وسجل كتاب Monumentum Adulitanum في القرن الثالث الميلادي Wolska-Konus,1968:372-379 التنجاتيين من بين الشعوب التى تبعت لأكسوم، وهم الذين طابقهم كل من كيروان Kirwan,1972 وهنتنجفورد Huntingford,1974 بالسكان الذين يعيشون في دلتا القاش (التاكا).

وتذكر النقوش المسيحية للملك عيزانا (القرن الرابع الميلادي) غزو النوبا للمنطقة إلى الشرق من نهر الستيت، مما يشير في رأي فاتوفتش Fattovich,1987 إلى أن السكان القاطنين ما بين نهري التكازي وبركة كانوا تابعين للسيطرة الأكسومية. ويورد ليتمان Littmann et al.1913:43 بأن نقشاً ما بعد أكسومي للملك دانايل (حوالي القرن العاشر- الحادي عشر الميلادي) يسجل حملة باتجاه كسلا تم خلالها غزو الباريا.

دللت المعطيات الآثارية التى تم الحصول عليها خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة والمتعلقة بالثقافات المبكرة في شرق السودان على أن النماذج المقترحة لتفسير التطور الثقافي في مرحلة ما قبل التاريخ في الشرق الأدنى ووادي النيل المصري بحاجة إلى توسيع مع الأخذ بالحسبان لإمكانية وجود عمليات ثقافية بديلة.

النموذج التقليدي للانتقال من اقتصاد الصيد- الجمع إلى إنتاج الطعام، الذى طرحه بداية جوردون تشايلد وتم من ثم إدخال تعديلات عليه، بداية من قبل بريدوود Braidwood and Willey 1962، ولاحقاً من قبل عدد كبير من الباحثين، يفترض أن الأشكال الأولى لإنتاج الطعام اتبعت تمركز الصيادين- الجامعين في العصر الحجري القديم في مناطق محددة، وفرضت عليهم الحياة هناك بفعل أشكال مختلفة من الضغوط الطبيعية، مثل، على سبيل المثال، التغيرات المناخية، ونمو الكثافة السكانية وما إلى ذلك. هناك تدليل شائع يقول بأن إدخال حجارة الرحى والأواني الفخارية ارتبط بنشوء تنظيم اجتماعي اقتصادي جديد، أطلقت عليه بصفة عامة تسمية "العصر الحجري الحديث" ويتميز بحياة الاستقرار والنشاطات الزراعية والاقتصاد القروي. وينظر للإمكانيات الجديدة الناشئة لإنتاج الطعام وتخزينه بوصفها العنصر الأول للتراتب الاجتماعي، الذى يفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل "نخبة" ونشؤ نظام الدولة.
خلال الأربعين سنة الماضية التى شهدت بحثاً مكثفاً في مجال ما قبل التاريخ في شمال شرق أفريقيا، فإن النموذج الذى تقدمه المعطيات الآثارية من وادي النيل المصري أثبت ملاءمته التامة مع هذا المخطط. لكن وضعاً مغايراً، على كلٍ، كان قد ميز في الغالب شرق السودان، حيث أعاقت الأمطار الصيفية والمناخ الجاف نمو المحاصيل البرية وتطور الزراعة. ومن ثم فإن ما قبل تاريخ شرق السودان قدم فرصة واعدة لتقديم نماذج لعمليات اقتصادية واجتماعية مغايرة، وطرق بديلة باتجاه تطوير مجتمعات مدينية. انطلاقاً من هذه الإمكانيات الكامنة قررت الإدارة العامة للآثار والمتاحف القومية السودانية في عام 1981 بدء مشروع الاستكشاف الآثاري المصحوب بعمليات تنقيب في شرق السودان. تنفيذاً لهذا المشروع منح تصديق لبعثتين آثاريتين للعمل، تحديداً، البعثة المشتركة لجامعتي الخرطوم/دالس، وبعثة المعهد الجامعي للدراسات الشرقية بجامعة نابولي، في المنطقة بين كسلا وخشم القربة.
النتائج المبدئية لأعمال البعثتين المذكورتين أوضحت بجلاء وجود تواتر ثقافي يغطي مجمل الفترة بدءاً من الألفية العاشرة قبل الميلاد حتى القرن الثامن الميلادي. تسعى هذه الورقة لإلقاء ضوء على تلك النتائج وتحليلها انطلاقاً من تقييم للعلاقة بين الثقافة والبيئة يتقيد بالحدود التي ثبتها علم الآثار المعاصر والمتمثلة في عدم إمكانية تجاوز أهمية الدور الذي تحتله كل من الثقافة والبيئة بالنسبة لعلم الآثار. وتتطلب معالجة البيئة والثقافة الرجوع إلى مبادئ الايكولوجيا الثقافية وكذلك مبادئ الجيوأركيولوجيا. فالثقافة التي نعني بها تحديداً الجماعة التي تجسد مثل تلك الثقافة، تعيش في تفاعل مع البيئة الطبيعية، ليس فقط في جوانب الثقافة المادية، ولكن أيضاً الخيارات الاقتصادية وخصائص الإقامة والديموغرافيا، يتم تحديدها بفعل البيئة.

فقد دفع التشديد الذي يضعه علم الآثار الوظيفي على المفهوم الإجرائي للثقافة، أي للثقافة بوصفها نتاجاً لوظيفية نظاموية، إلى الدفع ببعض مسائل إستراتيجية البحث إلى الصدارة. إحداث تقييمات لأبعاد الظواهر المكانية. شمل ذلك الابتعاد عن الاهتمام "بوحدة الموقع الآثاري" التقليدية وتوجيه تركيز البحث إلى اطر إقليمية أكثر اتساعاً، وإلى الاهتمام بعمليات الترسيب، وبعمليات تكون الموقع الآثاري وزواله (المعتمد اعتماداً كبيراً على تقلبات البيئات القديمة)، وإلى المحتويات الطباقية وديناميات ما بعد الترسيب. إلى جانب تلك الاعتبارات يجب عدم إغفال الموضوعات ذات الصلة بتوزيع الموارد (الماء، والنباتات، والحيوان، والمواد الخام) لارتباط ذلك بطبيعة البيئة.

النقاط الأخيرة هذه تم تطويرها، كما هو معلوم، بخاصة في مجال الجيوأركيولوجيا، وهو فرع للمعرفة أبان لعلم الآثار الطرق التي يمكن من خلالها تطبيق المبادئ والتقنيات الكمية، بخاصة لدراسة البيئة، في البحث الآثاري. معروف أن أعمال بوتزر Butzer,1982 تمثل تطويراً أساسياً لمبادئ علم الآثار الوظيفي، وتوفر قاعدة متينة للبحث الآثاري الهادف إلى مدنا ليس فحسب بالأدوات النظرية بل بالأدوات التقنية كذلك التي يحتاجها عالم الآثار. مثال على ذلك نجده في فهم بوتزر للثقافة بوصفها مفهوماً لا يتخذ قيمة ميتافيزيقية لنظام، ولا هي بنظام مثالي لسلوك المجتمع وهو الفهم الذي تطور في مجال الايكولوجيا الثقافوية. على كل يمكن ملاحظة رؤية التحول في كلا الحالتين من الاهتمام بالأدوات وتصنيفها التيبولوجي إلى الاهتمام بالتحولات في السلوك، أي، التحول إلى الدينامية التي ينظم بها الناس وجودهم من خلال تفاعلهم مع الآخرين وبيئاتهم الثقافية والطبيعية والميتافيزيقية ... من هذا المنطلق تحاول الورقة المقدمة تقييم النتائج الأخيرة للبحث الآثاري الجاري في شرق السودان من واقع رؤية تتسم بالتشديد على تطور الاقتصاد ونمط الحياة العام دون إهمال للتعريف والتعاقب والعلاقات المتداخلة للصناعات المسماة. هكذا نرى أن التحول الأكثر تجلياً في سلوك جماعات شرق السودان في منتصف الهولوسين المبكر يمكن رؤيته في التجارب الأولى لإنتاج الطعام، أي، في الانتقال من حالة اعتماد على البيئة إلى حالة تنظيم "فعلية" للموارد وإنتاجها (أنظر أدناه الأطوار التى مرت بها هذه العملية). إنتاج الطعام يمكن رؤيته بوصفه نتيجة دينامية تكيفية افرزها استغلال اصطفائي مارسه الإنسان، نتيجة خبراته المتراكمة، على البيئة.

ورغم انه من الممكن ملاحظة أن الوظيفية النظاموية ومفاهيم التكيف ذات الصلة بها قد تؤدي إلى تفسير ميكانيكي للظواهر التقافوية التي تستبعد الإسهام الفردي Hodder,1985، فانه لا يمكن إنكار أن مفهوم النظاموي يسمح بالوصول إلى درجة تحكم وقياس كمي للمعطيات بدرجة ما كان من الممكن الوصول إليها من خلال النماذج التقليدية. دللت نتائج البحث في دلتا القاش Fattovich,1990c على أن التغير يمكن أن يحدث لا بفعل البيئة وحدها وإنما أيضاً بفعل عناصر أخرى مثل الديموغرافيا، والأيدولوجيا الرمزية، والصلات مع المناطق المجاورة. كما وأن النتائج أكدت على أن تأثير البيئة في ظروف شرق السودان كان عنصراً هاماً، بل وحاسماً، في تحديد قرارات الجماعات Sadr,1993. كانت إمكانيات الاختيار لا زالت عديدة لدى جماعات الهولوسين المبكر، وكان ازدهار المدنية على طول مجاري المياه بخاصة نتاجاً لقرارات اتخذتها الجماعات الإنسانية في تلك المرحلة. لكنه وفيما بعد مع بروز الأطوار الجافة التي ميزت الهولوسين المتأخر أضحت القيود، التي فرضتها البيئة الأكثر صرامة، تفرض الانتقال من الصيد إلى الفلاحة وسط جماعات شرق السودان في الهولوسين المبكر. في هذه الورقة يتم اعتماد فرضية نموذج ينظر فيه لإنتاج الطعام بوصفه تعديلاً للجماعات المعتمدة على نمط إنتاج استحواذي محلي تكيفاً مع قيود بيئية محددة، والتشديد على الدور الذي يقوم به تقلب الموارد بوصفه عنصراً في زيادة القاعدة الإعاشية القابلة للاستغلال. باللجوء إلى مثل هذا المنهج يمكن توفير تقييم حجم النشاطات الاقتصادية والتقنية، والأنظمة الاجتماعية السياسية، والمعتقدات والتي تم تطويرها وفق الكثافات السكانية المتفاوتة والحواجز الفيزيقية وسبل المواصلات والموارد المتوفرة. هكذا يمكننا رؤية الطريقة المثلى التي تم عبرها استغلال البيئات المختلفة.

إن إعادة تركيب البيئة القديمة في شرق السودان في الهولوسين لازالت مسألة عرضة للتكهنات. تشير البينة المتوفرة إلى مناخ رطب في الهولوسين المبكر (حوالي 6000-4000 ق.م.) وجفاف متزايد خلال الهولوسين الأوسط (حوالي 4000- 1000 ق.م.) مع بيئة سافنا شجرية في منتصف الألفية الثانية ق.م. Geraads,1983; Fattovich,Sadr and Vitagliano 1988.

عموماً يبدو أن التقلبات المناخية في شرق السودان اتبعت المسار نفسه الذى ميز شمال أفريقيا وشمالها الشرقي عموماً. تميزت التقلبات بجفاف متزايد من 4000- 3000 ق.م.، مع فترة سادت فيها ظروف رطبة إلى حد ما في الألفيتين الثالثة والثانية ق.م. وحلول الظروف الحالية بحوالي 1000 ق.م.، مع فترة دافئة في بداية الألفية الثانية والتثبيت المتصاعد للمناخ الجاف الحالي في منتصف الألفية الثانية ق.م. (انظر Butzer,1976; Hassan,1981; Muzzolini,1982; Williams,1982; Gowlett,1989.)

كرونولوجياً فإن ثقافات شرق السودان التى تمثل تواتراً منتظماً قد صنفت كالتالي Fattovich 1994:
* الطور الأول مثلته مجموعات سكانية استغلت البيئات النهرية والسافانا المحلية وعاشت في شمال الدلتا خلال الألفيتين السادسة والخامسة ق.م. (مجموعة أم آدم). وجدت نماذج من الشقوف شبيهة بفخار الخرطوم المبكرة مما قد يشير إلى وجود صلة مع وادي النيل.

* الطور الثاني مثلته مجموعة صيادين اعتمدوا على ثدييات السافانا وسكنوا في السهول الممتدة بين شراب القاش ونهر عطبرة في الألفية الخامسة ق.م. (مجموعة ملاويا). يظهر فخار هذه المجموعة معاصرته لفخار وادي النيل والصحراء. وتشير المصنوعات الفخارية الناعمة ذات المقبض إلى علاقة هذه المجموعة بمجموعة أم آدم الأسبق.

* الطور الثالث يمثله أحفاد مجموعة ملاويا الذين سكنوا، في الألفية الرابعة والألفية المبكرة الثالثة ق.م. (مجموعة البطانة)، في السهول بالقرب من المجاري القديمة للقاش التى تنزاح باتجاه نهر عطبرة. اعتمد اقتصادهم المعاشي في الأساس على صيد ثدييات السافانا، وصيد الأسماك، واحتمالاً زراعة الحبوب. بدأ أهل هذه المجموعة في أواخر الألفية الرابعة ق.م. في تدجين الأبقار. وامتد حجم مواقع الإقامة ليصل الموقع إلى 10 هكتارات. تشير موضوعات الزينة القيمة في المواقع الرئيسة إلى احتمال نشؤ مجتمع تراتبى.

* الطور الرابع تمثله مجموعة رعوية، أو رعوية زراعية، سكن أهلها في مجمل الدلتا ومنطقة شراب القاش من بداية الألفية الثالثة حتى منتصف الألفية الثانية ق.م. (مجموعة القاش). ويعتقد صدر Sadr,1988 بأنها تمثل استمراراً للطور السابق.  يتفاوت حجم مواقع الإقامة من أقل من هكتار إلى 13 هكتار، مع بروز واضح للتراتب الاجتماعي. وقد كشف فاتوفتش Fattovich 1988 عن جبانة رسمية مع مسلات ميجاليثية في الموقع الرئيس بالدلتا (محل تيجلينوس) يرجع لأواخر الألفية الثالثة بداية الألفية الثانية ق.م. دخل السكان في شبكة صلات واسعة وتبادل تجاري مع مصر، والنوبة، والجزيرة، وإثيوبيا، وجنوب شبه الجزيرة العربية، وقد كانوا شريكاً تجارياً هاماً لمملكة كرمة Fattovich, Sadr and Vitagliano 1988. ويعتقد فاتوفتش بأن شكل الدولة كان أقرب، احتمالاً، إلى الدويلة المشيخة Fattovich 1991.

* الطور الخامس يرتبط ثقافياً بمجموعة أغوردات في وادي بركة (انظر: Arkell,1954) وشغلت شمال غرب الدلتا في منتصف الألفية الثانية ق.م.

* الطور السادس مثله سكان زراعيين رعويين، ينحدرون من مجموعة القاش، وسكنوا السهول بين نهري القاش وعطبرة، وانتشروا حتى وادي بركة، من منتصف الألفية الثانية حتى منتصف الألفية الأولى ق.م. (مجموعة جبل مكرم). ويظهر فخار هذه المجموعة شبهاً بفخار المدافن الحفر pan-graves الشئ الذى دفع كريم صدر للافتراض بوجود صلات لهم أو تمازج مع سكان قادمون من الشمال. كان هؤلاء السكان لازالوا يحتفظون بصلات مع النوبة، واحتمالاً مع إثيوبيا وجنوب شبه الجزيرة العربية. ظل شكل من التعقد الاجتماعي باقياً. في النصف الأول للألفية الأولى ق.م. شغل هؤلاء السكان فقط منطقة جراب القاش. يحتمل أن تكون المنطقة بحلول تلك الفترة قد ضُمت إلى دائرة التأثير الإثيوبي وهو ما تشير إليه شقوف فخار أكسومي في مواقع جبل مكرم المتأخرة.

* الطور السابع يمثله سكان رعويين، مع زراعة محدودة للحبوب، ينحدرون من المجموعة السابقة وسكنوا في مجمل المنطقة الممتدة بين كسلا وخشم القربة في أواخر الألفية الأولى ق.م. وبداية الألفية الميلادية الأولى (مجموعة هاجز). تشير التشابهات في المصنوعات الفخارية لهذه المجموعة مع نظائرها الأكسومية إلى أن المنطقة كانت في دائرة التأثيرات الإثيوبية. لم يتم الكشف عن بينة دالة على التعقد الثقافي Fattovich, Sadr and Vitagliano 1988.

* الطور الثامن تمثله مجموعة مستقرة، اشتغلت في الغالب بالتجارة بين مصر والنوبة وإثيوبيا، وعاش أهلها في المنطقة المحيطة بجبل التاكا، بالقرب من كسلا في منتصف الألفية الأولى ق.م. (مجموعة الختمية). تشير المصنوعات الفخارية إلى تشابه مع نظائرها المروية المتأخرة و/أو ما بعد المروية في وسط السودان ومع المصنوعات ما قبل الأكسومية المتأخرة في شمال إثيوبيا.

* الطور التاسع يمثله سكان رعويين أو شبه رعويين حاملين تقاليد ثقافية ترتبط بالتقاليد ما بعد المروية في وسط السودان، ووجدت آثار هذه المجموعة في المنطقة إلى الجنوب من كسلا ويرجع تاريخها إلى أواخر الألفية الأولى ق.م. Fattovich,1989b.

على أساس البينة التى وفرتها أعمال الاستكشاف والتنقيب في شرق السودان، فإن التطور الثقافي للمنطقة يبدو أنه مر بمراحل متعددة حيث شهدت المنطقة في الفترة من حوالي 5000 ق.م. حتى 300/400 ميلادية تطور تقاليد محلية تميزت بمصنوعات فخارية متفردة (ما يعرف بـ تقليد عتباي). وفي الفترة حوالي 6000-1500 ق.م توجد بينة دالة على نشؤ صلات مع النوبة والصحراء الشرقية. وفي الفترة 2500-1500 ق.م. أخذت المنطقة في الانخراط في شبكة التبادل الاقتصادي بين مصر والمناطق الجنوبية لشمال شرق أفريقيا وجنوب شبه الجزيرة العربية. هذه الفترة الأخيرة هي التى يهمنا تسليط الضوء عليها لكونها تقدم البينة المادية الأولى للصلات الثقافية الناشئة بين شرق السودان وجنوب شبه الجزيرة العربية وعلى تطور ملموس بفعل توسع العلاقات التجارية لنظام الحكم من مشيخة بسيطة إلى مشيخة مركبة.

قبل الشروع في عرض المادة العينية التى وفرتها أعمال التنقيب والاستكشاف الأخيرة في شرق السودان يجدر أن نشير إلى أن أصول المشيخة والدولة المبكرة وخصائصهما الأساسية بصورة عامة تمت تغطيتهما بصورة جيدة في الأدب المتخصص Johnson and Earle,1987; Earle ,1987; Claessen and Skalick,1978، ولهذا فإننا نحتاج هنا إلى التركيز فقط على الخواص ذات الصلة مباشرة بموضوع هذه الورقة. نقطة ذات أهمية أساسية أنه في الوقت الذى يمكن فيه تقسيم أنظمة الحكم إلى أنواع، فإن حدوداً تعريفية بين تلك الأنواع المتقاربة تكون، بصورة حتمية، مائعة إلى درجة ما. الطيف التيبولوجي يجري من المجتمعات ذات النظام الأولي المساواتي، عبر نظام "الشيخ الكبير أو الزعيم"، من ثم المشيخات البسيطة والمركبة إلى، أخيراً، الدولة المبكرة وحفيدتها الدولة القومية Johnson and Earle,1987. بمجرد التعرف على خصائص نظام حكم محدد فإنه يصبح ممكناً نسبته إلى مجموعة طيفه، لكنه مع ذلك يتوجب السماح بقدر من ميوعة الحدود التعريفية. ويرى كل من جونسون وايرل أن المشيخات "في النهاية الدنيا... تتشابه مع أنظمة الشيخ الكبير أو الزعيم؛ وفي النهاية العليا فإنها تتقارب مع الدول. الأفضل تصور المشيخات سلسلة تطورية للتراتب الاجتماعي ومؤسسات الحكم" Johnson and Earle 1987.

طالما أن المشيخة والدولة هي مثار موضوعنا، علينا أن نطرح السؤال: ما هي الخصائص المشتركة بين النظامين، وما هي أوجه الاختلاف بينهما؟ الخصائص المشتركة الأكثر بروزاً التى تهمنا هي أن كلا النظامين- المشيخة والدولة- يظهران درجة عالية نسبياً من التكامل (نظام الحكم المنظم يغطي مساحة معتبرة يقطنها عدد كبير من السكان)؛ وبالتأكيد في نظام الحكم؛ ودرجة واضحة من التراتب، من حيث المرتبة الاجتماعية والوضع، ومن حيث الامتيازات الاقتصادية أو فقدانها Johnson and Earle,1987:288-291. أما بالنسبة للاختلافات فإن جونسون وايرل يطرحان بأن "الدولة تختلف عن المشيخة في الأساس من حيث حجم الأولى الكبير، وحجم سكان أكبر وأكثر تنوعاً وتراتب اجتماعي أشد صرامة". تنتج تلك الاختلافات بفعل التحولات الوظيفية: فكلما تزايدت درجة التمايز وحجمه تبرز صعوبات التكافل والتي هي "خارجة عن السيطرة غير الرسمية للنخبة الوراثية"، أي للمشيخة، وتتطلب بدلاً عن ذلك "بيروقراطية حكومية، وديانة رسمية، ونظاماً قضائياً وقوة شرطة".
بالنسبة للتمايز، فإن المشيخات تتألف من سكان يعدون بالآلاف أو عشرات الآلاف (الحد الأقصى مائة ألف نسمة)، في حين تتألف الدول من سكان يعدون بمئات الألوف والملايين" Johnson and Earle,1987:211,225,246,256; Earle,1987:297. بالتالي فإن الدول تكون عادة ذات مساحات أكبر من مساحات المشيخات، مع أنه يوجد تنوع معتبر طالما أن كثافة السكان غير متجانسة سواء في المشيخات أو الدول. أما فيما يخص نظام الحكم، فإن لكل من المشيخات والدول مستويات عديدة، لكن يشكل شاغلوا المناصب في المشيخات بنية تكون فيها "كل نقطة قطب..مطابقة كلياً لتلك النقطة في المركز" Cohen,1987:35-36، بالتالي، فإن المشيخات.. هى أنظمة قيادة بدرجة عالية من التعميم يكون فيها للمستويات المختلفة واجبات متشابهة" (Earle 1987:289) لهذا السبب، فإن المشيخات يمكن أن تكون عرضة للانشطار (خلافاً للدول)، وتنزع "للتفكك وتشكيل وحدات مماثلة". الدول، خلافاً لذلك، يمكن أن "تمثل نوعاً جديداً كلياً من المجتمع"، بأنظمة تبعد النزعات الانشطارية" Cohen,1987:34. تنجح الدول في ذلك عن طريق تطوير "أجهزة بيروقراطية تراتبية ومتخصصة وهذه لا وجود لمثلها في المشيخات، يكون فيها شاغلو المناصب معينيين مركزياً ويعتمدون في الحفاظ على مناصبهم وترقياتهم على الكفاءة وعلى ولائهم للحاكم".

المشيخات والدول تتشكل من مجتمعات تراتبية، مع وجود نخب ذات وضع عالي، عادة ما يكونوا أثرياء وذوي نفوذ. يتولد التراتب بفعل أنظمة التمويل التى تستغل الموارد- الزراعية ووسائل التجارة بعيدة المدى لمصلحة النخب، لكنها بالقدر نفسه ضرورية لبقاء المجتمع ككل واستقراره (Johnson and Earle 1987:207-211). زيادات معدل التراتب تكون أكثر صرامة واشد وضوحاً في الدولة مقارنة بالمشيخة (Johnson and Earle 1987:246,319). في الدولة، يقوم التراتب على قاعدة الطبقة، ينقسم المجتمع إلى حكام وملاك للأراضي من جانب، ومنجين وعامة من جانب ثان (Johnson and Earle 1987:270)، كما وقد تتطور طبقة تجار.

طالما أن المعطيات الآثارية هي مصدرنا الأوحد بالنسبة لدراسة التطور الثقافي لشرق السودان في الفترة قيد البحث فإننا سنحاول أن نتساءل عما إذا كانت خصائص المشيخات قد وجدت انعكاساً لها في السجل الآثاري.
  
تظهر الطرق التجارية للسودان القديم نمطاً غير معقد يتسم بالاستمرارية على مدى فترات زمنية طويلة. الدور السائد الذى قام به نهر النيل في حياة السكان، مع كل النشاطات تقريباً على ضفتيه، جعل التجارة تتبع النهر. كانت التجارة مع مصر تمثل النشاط التجاري الأساسي وتتوفر المعلومات المتعلقة بها فيما يتعلق باتجاهها جنوباً، في حين أن تفاصيل النشاطات التجارية باتجاه الغرب والشرق شحيحة ويصعب إعادة تركيبها مع أن فرضيات طرحت في هذا الخصوص لكنها ظلت بحاجة إلى المزيد من البحث. في هذا الإطار تجئ أهمية النتائج التى توصل إليها البحث الآثاري الجاري حالياً في شرق السودان.

النتائج المتحصل عليها مؤخراً بفعل تلك الأبحاث الميدانية تشير إلى تطور مجتمع يعتمد تنظيماً أقرب إلى نظام الدويلة المشيخة، مع محل تيجلينوس مركزاً إدارياً ومركزاً احتفالياً يرتبط بالطقوس الجنائزية. وتشير المؤسسات الإدارية إلى أن شكلاً من السيطرة على شبكة إعادة التوزيع قد ظهر في طور مجموعة القاش المبكر. وتدل الممارسات الجنائزية على بروز شكل من التراتب الاجتماعي في طور مجموعة القاش المتأخر. أما بقايا المعمار التى تمت دراستها في محل تيجلينوس فتشير إلى مبان ومتاجر ضخمة شيدت من الطوب الأخضر ترجع لطور مجموعة القاش المتأخر.

إن البينة المادية المتحصل عليها من أعمال التنقيب الآثاري في موقع محل تيجلينوس تدلل على بدء نشؤ دويلة مشيخة في فترة طوري القاش الكلاسيكي والمتأخر، وتم تثبيت دعائم هذا النظام الجديد في طور مجموعة القاش المتأخر. ويبدو من المعطيات التى وفرتها الأعمال الميدانية الأخيرةFattovich,Sadr and Vitagliano,1988  أن عملية تثبيت دعائم نظام الدويلة المشيخة في دلتا القاش تأثر بالدور الذى أخذت تقوم به في شبكة التبادل التجاري مع مصر في الشمال، والنوبة في الغرب، والجزيرة في الجنوب الغربي، وجنوب شبه الجزيرة العربية في الشرق عبر البحر الأحمر، ومع القرن الأفريقي. وتشير دراسة الموضوعات الغريبة التى تم العثور عليها في محل تيجلينوس إلى أن أهل مجموعة القاش كانوا قد دخلوا في صلات مع مصر والنوبة وجنوب شبه الجزيرة العربية منذ أزمان طور مجموعة القاش المبكر (2700- 2300 ق.م.)؛ كما وأنهم أقاموا صلات بكرمة، إلى الشمال من البطانة، وجنوب شبه الجزيرة العربية في طوري مجموعة القاش الوسطى (2300- 1900 ق.م.) والكلاسيكية (1900- 1700 ق.م.)، واستمرت تلك الصلات مع كرمة والجزيرة وإثيوبيا وجنوب شبه الجزيرة العربية في طور مجموعة القاش المتأخرة (1700- 1400 ق.م.).

انطلاقاً من التفسير المبدئي للنتائج المتحصل عليها من البحث الآثاري الجاري حالياً في شرق السودان فإن عملية تشكل المجتمع المعقد في شرق السودان، تحديداً دلتا القاش، يبدو في صورته العامة كالتالي: نشؤ مجتمع تراتبي اعتمد على دور في شبكة التبادل التجاري مع مصر والنوبة وجنوب شبه الجزيرة العربية في طور مجموعة القاش المبكر. يشدد هذا على قدرات بعض أعضاء المجموعة من ذوي المراكز العليا لتدعيم سيطرتهم على شبكة إعادة التوزيع. وأصبح أهل مجموعة القاش وسطاء بين كرمة وجنوب شبه الجزيرة العربية في طوري مجموعة القاش الوسطى والكلاسيكية. وتدل المسلات الرسمية التى تم الكشف عنها في محل تيجلينوس على أن بعض قطاعات السكان تمتعوا بامتيازات فيما يتعلق بالموارد الاستراتيجية، وهو ما ساعد على بروز قيادة قوية. تثبيت دعائم سلطات إدارية فاعلة بحلول طور مجموعة القاش المتأخر ارتبط بتوسيع شبكة التبادل مع مصر والنوبة والجزيرة وجنوب شبه الجزيرة العربية وإثيوبيا.

المراجع
Adams W. 1988, ‘The Nile Trade in Post Pharaonic Times’, Sahara 1: 21-36.
Arkell A.J. 1950, ‘Varia Sudanica’, Journal of Egyptian Archaeology 36: 24-42.
Arkell A.J. 1954, ‘Four Occupation Sites at Agordat’, Kush 2: 33-62.
Берзина Я. 1990, История Африки в Древних и Средневековых Источниках, [Хрестоматия] Москова:10.
Bonnet Ch. (ed), Kerma, Royaume de Nubie, Géneve, Musée d’Art et d’Histoire.
Bonnet Ch. 1986, Kerma Territoire et Métropole, Cairo.
Brunstein S.M. 1989, Agatharchides of Cnidus on the Erythraean Sea, London.
Butzer K. 1982, Archaeology as a human ecology: method and Theory for contextual approach. Cambridge: Cambridge University Press.
Butzer K. 1976, Early Hydraulic Civilization in Egypt, Chicago.
Callow P. and G.Wahida 1981, ‘Fieldwork in Northern and Eastern Sudan, 19776-1980,’ Nyame Akume 18: 34-36.
Caneva I.(ed) 1988, El-Geili – The History of a Middle Nile Environment 7000 BC – AD 1500, Cambridge Monographs in African Archaeology 29. BAR International Series 424, Oxford.
Capuano G., A. Manzo and C.Perlingieri 1994, ‘Progress Report on the Pottery from the Settlement Area at Mahal Teglinos (Kassala), 3rd -2nd millennia BC’, Études Nubiennes, Actes du VIIe Congres international d’études nubiennes 3-8 septembre 1990, Vol.II, Ch.Bonnet (ed):109-116.
Claessen H. and P.Skalnick (eds), The Early State, The Hague.
Cohen R. 1987, ‘State Origins: A Reappraisal’, in: Claessen H. and P.Skalnick (eds), The Early State, The Hague.
Conti Rossini C. 1913, ‘Studi du popolazioni dell’Etiopia Iv: antiche popolazioni nuba-etiopiche’, in: RSO 6:392-403.
Crowfoot J.W., ‘Some potsherds from Kassala’, Journal of Egyptian Archaeology 14: 112-116.
Earle T. 1987, ‘Chiefdoms in Archaeological and Ethnohistorical perspective’, Annual Review of Anthropology 16: 279-308.
Fattovich R. 1987, ‘Some Remarks on the Origins of the Aksumite Stelae’, Annales d’Ethiopie 14: 43-69.
Fattovich R. 1988, ‘The Stelae of Kassala: a new type of funerary monuments in the Eastern Sudan’, L’Archéologie du Nil Moyen 3: 55-63.
Fattovich R. 1989a, ‘The Late Prehistory of the Gash Delta, Sudan’m in: L.Krzyzaniak (ed), Late Prehistory of the Sahara and the Nile Basin, Poznan, Archaeological Museum: 481-498.
Fattovich R. 1989b, The Gash Delta between 1000 BC and AD 1000’, in: S.Donadoni and S.Wenig (eds), Studia Meroitica 1984 10, Berlin, Academie Verlag: 797-816.
Fattovich R. 1990a, ‘The peopling of the northern Ethiopian-Sudanese borderland between 7000 and 1000 BP: a preliminary model’, Nubica , (1987-1988): 3-45.
Fattovich R. 1990b, ‘The problem of Punt in the light of the recent field work in the Eastren Sudan’, Studien zur Altägyptischen Kultur, Beiheft 5.
Fattovich R. 1990c, ‘The Gash Delta Archaeological Project: 1988-1989 Field Seasons’, Nyame Akume 33:16-20.
Fattovich R. 1991, ‘Evidence of Possible Administrative Devices in the Gash delta (Kassala), 3rd -2nd millennia BC, Archéologie du Nil Moyen 5: 65-78.
Fattovich R., A.E.Marks and A.M.Ali 1984, ‘The Archaeology of the Eastern Sahel, Sudan: preliminary results’, The African Archaeological Review 2: 173-188.
Fattovich R., K.Sadr and S.Vitagliano 1988, ‘Societa e Territorio nel Delta Gash (Sudan), 3000 a. Cr. 300/400 d. Cr.’, Africa (Roma) 43: 394-453.
Gowlett J.A.J. 1989, ‘Human Adaptation and Long-Term Climatic Change in Northeast Africa: An Archaeological Perspective’, in: D.H.Johnson and D.M.Anderson (eds), The Ecology of Survival, London:27-45.
Halaand, Randi 1984, ‘Continuity and Discontinuity – How to account for Two Thousand Years Gap in the Cultural History of the Khartoum Nile Environment’, Norvegian Archaeological Review 17: 39-51.
Hassan F.A. 1981, ‘Historical Nile Floods and Their Importance for Change’, Science 212: 1142-1148.
Hodder I. 1985, ‘Postprocessual archaeology’, in: M.B.Schiffer (ed), Advances in Archaeological Method and Theory 8, New York: Academic Press: 1-26.
Huntigford G.W.B. 1974, ‘Three Notes on Early Ethiopian Geography’, Folia Orientalia 15:197-204.
Johnson A.W. and T.Earle 1987, The Evolution of Human Societies, Stanford.
Kirwan L.P. 1972, ‘The Christian Topography and the Kingdom of Aksum’, The Geographical Journal 138:166-177.
Kitchen K.A. 1971, ‘Punt and w to get there’, Orientalia 40: 184-207.
Kitchen K.A. 1982, ‘Punt’, Lexikon der Agyptologie IV,8: 1198-1201.
Littmann E., S.Krenker and Th.Von Lüpke 1913, Deutsche-Aksum Expedition, IV, Berlin.
Marks, A. et al. 1985, ‘The Prehistory of the Central Nile Valley as Seen from its Eastern Hinterlands: Excavations at Shaqadud, Sudan’, Journal of Field Archaeology 12: 261-278.
Marks, K.A., A.M.Ali and R.Fattovich 1986, ‘The Archaeology of the Eastern Sudan: a First Look’, Archaeology 39: 44-50.
Marks, K.A. and A.M.Ali (eds) 1990, The Prehistory of the Eastren Sahel, Dallas.
Muzzolini A. 1982, ‘Les climats sahariens Durant l’Holocène et la fin du Pléistocène’, in: Travaux du Laboratoire d’Anthropologie, de Prehistoire et Ethnologie de la Medditerranee Occidentale 2:1-38.
Sadr K. 1986, ‘A pan-Grave Related Culture, Nyame Akuma 27: 48-49.
Sadr K. 1987, ‘The Territorial Expanse of the Pan-Grave Culture, ANM 2:265-291.
Sadr K. 1988, The Development of Nomadism: The View from Ancient Northeast Africa, Ann Arbor.
Vercoutter J. 1959, ‘The Gold of Kush’, Kush VII:120-153.
Williams M.A.J. 1982, Quaternary Environments in Northern Africa’, in: M.A.J.Williams and D.A.Adamson (eds), A Land between two Niles, Rotterdam: 13-22.
Wolska-Conus W. (ed) 1968, Cosmas Indicopleustes, Topographie Chrétienne, Paris.
Zibelius K. 1972, Afrikanische Orts- und Volkernamen in hieroglyphischen und hieratischen Texten, Wiesbaden.
Zyhlarz E. 1958, ‘The Countries of the Ethiopian Empire of Kash (Kush) and Egyptian Old Ethiopia in the New Kingdom’, Kush 6:7-39.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق