الأربعاء، 15 مارس 2017

سوبا : موجز تاريخي

أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا السـودانية
ملف إنقاذ تراثنا القومي السودانوي من الإنقاذ

سوبا : موجز تاريخي
د. ديريك ويلسبى
ترجمة د. أسامة عبدالرحمن النور

لا تسجل أي من المصادر التاريخية التى تذكر سوبا في ذروة ازدهارها خلال الفترة المسيحية أو في حالة انحلالها وخرابها في فترة ما بعد المسيحية رواية عن تاريخها المبكر. باستثناء احتمال أعمال التنقيب في الكوم التى أجراها كل من بدج و ستانتون (انظر ملحق أ) لم يتم الكشف عن أية منشئات ما قبل مسيحية مؤكدة، رغم أن هناك بينة تشير الى أن الموقع كان مأهولاً في العصر المرَّوي.

كان الكبش الحجري المرَّوي، أكثر الموضوعات المرَّوية شهرة التى عُثر عليها في سوبا، قد سجله للمرة الأولى كايو في عام 1821 (Shinnie 1961: 17; Hofmann 1981). في قاعدة هذا التمثال احتفظ بجزء من خرطوش يحمل الاسم الملكي ...]ريكرم. يقترح هنتزا تاريخاً لهذا الملك في القرن الميلادي الثاني (Hintze 1959: 33, 68 fin. 1). شملت قائمة موضوعات شيني التى يقال بأنها اكتشفت قبل أعمال التنقيب في 1950/ 1952 القليل من الآثار ما قبل المسيحية وجعرانين في الغالب من عصر نبتة. جعران مشابه عُثر عليه على سطح كوم حصوي في النهاية الغربية للكوم B في عام 1984 مع ملاحظة شك في مدى أصالته. تم الكشف أثناء أعمال التنقيب الحالية أيضاً عن رأس أسد زجاجية تعود للعصر المرَّوي. ويضيف أبوالهول والنقش البارز للإلهة هاثور في ارتباط بالمبنى B بينة تدعم وجود معبد مرَّوي أو نبتي في سوبا. بالتالي وجهة النظر التى قال بها بعض الباحثين بأن الكبش المرَّوي قد جُلب الى سوبا من مكان آخر (Shinnie 1967: 97). وجود ثلاثة تماثيل ما قبل مسيحية الآن يجعل مثل وحهة النظر هذه أقل احتمالاً، رغم أن موقع الإقامة ما قبل المسيحية يظل غير معروف. ندرة فخار مرَّوي أو نبتي نموذجي وسط الآثار في منطقة الموقع تستبعد احتمال أن تكون الإقامة المبكرة في موقع المدينة المسيحية اللاحقة. إذا كانت سوبا موقعاً قبل مسيحي هاماً، فإن اختيارها عاصمة لمملكة علوة تصبح مسألة متيسرة التفسير.

الأحداث المرتبطة بانهيار الإمبراطورية المرَّوية ونشوء الممالك النوبية الثلاث التى تحولت لاحقاً الى المسيحية، لازالت غامضة. يسجل نقش وجد في أكسوم (Littmann 1913: No. 11) أن الملك عيزانا غزا وادي النيل، حوالي 350 ميلادية، كرد فعل على هجمات شنها النوبا ضد حلفاء أكسوم. وجد جيش عيزانا النوبا قد استقروا في المدن المرَّوية حول ملتقى النيلين، كانت سوبا واحدة من تلك المدن احتمالاً (Kirwan 1981: 116). وجهت الحملة ضد الكاسو، احتمالاً اسم للمرويين، ولا يوجد سوى القليل من الشك في وقوع الكثير من التدمير الناتج احتمالاً بفعل انهيار الدولة المرَّوية (Kirwan 1981: 117). يحمل عيزانا في النقش، من بين ألقاب أخرى، لقب ملك البجة والكاسو. [لتفسير مغاير لهذا النقش انظر Behrens 1986].

احتفظ كالب، ملك أكسوم حوالي 525 ميلادية، بلقب ملك البجة والكاسو وأضاف النوبا الى القائمة، في حين رجع ابنه الى ألقاب عيزانا (Munro-Hay 1982-3: 88 fin. 5). غير واضح عما إذا كان الاحتفاظ بتلك الألقاب حتى القرن السادس يشير الى أن الأكسوميين استمروا يمارسون بعض السيطرة السياسية على جزء من المنطقة، والتى كانت حينها احتمالاً تقع داخل حدود مملكة علوة. يبدو أن أكسوم مارست تأثيراً ثقافياً أو دينياً قليلاً على السكان القاطنين في وادي النيل (Chittick 1982; Fattovich 1982). رغم أن مدينة باسم علوة قد ذُكرت في نقش عيزانا، فإنه قد افترض أن تلك تشير الى العاصمة المرَّوية في البجراوية، التى تبعد 190 كيلو متراً الى الشمال من سوبا*. إذا كان الأمر كذلك فإن تحويل اسم علوة من مروي الى المملكة مع عاصمتها في سوبا قد يشير الى مملكة علوة قد نُظر إليها، على الأقل من جانب حكامها، بوصفها الوريث الشرعي للدولة المرَّوية القديمة**. ضم سكان علوة القروسطيون أحفاد المرويين والنوبا. تطورت مملكة علوة على هذه الخلفية الثقافية المرَّوية - النوباوية.

يظل غير واضح لماذا تم اختيار سوبا عاصمة لمملكة علوة. مع فقدان الجزء الشمالي للإمبراطورية المرَّوية لمصلحة النوباديين والبليميين، يمكن أن تكون مروي قد أضحت منعزلة نسبياً وعرضة للهجوم حيث انها تقع أقرب الى الحدود الشمالية للدولة الجديدة، أو أن يكون هناك قرار مدروس بـ "تأسيس" عاصمة مسيحية جديدة بعيداص عن تأثير العبادات الوثنية المرَّوية. ويمكن أن يكون معدل هطول الأمطار الأعلى في منطقة سوبا مع إمكانيات زراعية كامنة عاملاً في تحديد مكان عاصمة الدولة. ومع أن مملكة علوة كانت موجودة بحلول عام 580 ميلادية، عندما سجل الأسقف البيزنطي ومؤرخ الكنيسة افيوس تحول ملكها الى المسيحية، إلا انه لم يذكر في أي مكان بأن سوبا كانت المدينة العاصمة التى زارها المبشر لونجينوس، وقد طرح كيروان اقتراحاً يقول بأن، آخذين في الحسبان وصف لونجينوس للمرحلة الأخيرة في رحلته والتى بعث بها في رسالة الى ثيودور - رئيس الأبرشية في الاسكندرية، موقع مروي بوصفها علوة يبدو محتملاً (Kirwan 1987). أقدم ذكر لـ سوبا بوصفها عاصمة لمملكة علوة نجده في القرن التاسع في "كتاب البلدان" لليعقوبي.

إذا كانت مروي عاصمة علوة الأولى، فإن ندرة البينة الدالة على المسيحية تشير الى أن مكانتها قد اغتصبتها سوبا مباشرة بعد سنة 580 ميلادية، إذ لم يكن في وقت أسبق. طرح اقتراح يقول بأن إعادة استخدام معبد مروي في المصورات الصفراء كنيسة قد سبق تحول علوة الرسمي الى المسيحية (Török 1974: 89-90) وقد سجل جون الافيوسي وجود زوار أكسوميين مسيحيين في علوة (في Vantini 1975: 20). ذُكرت مملكة علوة للمرة الأولى في كتابات جون الافيوسي الذى يسجل بقدر من التفصيل الأحداث التى قادت الى تمسيح المملكة النوبية الأقصى شمالاً بداية، نوباديا، وفيما بعد المملكة الجنوبية. علوة تم تحويلها على أيدي مبشرين من أصحاب المذهب القائل بالطبيعة الواحدة للمسيح. لم يرد ذكر لتحول مملكة المقرة الواقعة بين المملكتين، لكن تمت ملاحظة علاقتها العدائية تجاه النشاط التبشيري في علوة. يؤكد مرجع معاصر، جون بيكلاروم، وهو ارثوذوكسي شرقي خاضع للمجمع الخلقيدوني، أن المقريين حولوا الى المسيحية في عام 569 ميلادية أو 570. ويسجل ابن سليم الأسواني لأن النوبة والمقرة [المقريين] كانوا جنسين مختلفين وتحاربوا فيما بينهم قبل وصول المسيحية. على أساس البحث الحديث، ألقى كيروان بظلال شك على روايتي كل من جون الافيوسي وجون بيكلاروم فيما يتعلق بتحول الممالك النوبية الى المسيحية ويرى انعدام بينة دالة على أن المقرة تحولت الى المعتقد الارثوذوكسي الشرقي. العداء المشهود بين المقرة وعلوة قد يفسر قرار لونجينوس السير عن طريق الصحراء الشرقية في رحلته الى علوة (Kirwan 1982).

قد يبدو أن الحكام النوبيين تطلعوا الى التحول الى المسيحية. حول تحول علوة الى المسيحية على يدي لونجينوس، يكتب جون الافيوسي :
عندما أرسل ملك علوداي [كان الاسم الإغريقي لمملكة علوة = علوديا] السفارة الى ملك النوباديين، طالباً منه ارسال الأسقف لونجينوس إليهم لتعليم شعبه وتعميده، كان واضحاً أن شعور الناس الطيب تجاه التحول الى المسيحية قد تم انجازه عن طريق معجزة إلهية ... وعندما وصل [العاصمة]، تحرك الملك بنفسه لاستقباله بفرح شديد. وبعد أن استقر بين ظهرانيهم ونطق بكلمة الله للملك وحاشيته من النبلاء، فقد استقبلوها بقلب مفتوح؛ وخلال أيام تم تعليمهم وعمد الملك مع كل النبلاء والجزء الأكبر من السكان. (Vantini 1975: 17-18).

بتحولهم الى المسيحية يكون الحكام النوبيين قد اصطفوا الى جانب الإمبراطورية البيزنطية وثقافة عالم البحر الأبيض المتوسط. بالنسبة لتاريخ علوة اللاحق فإن أعمال التنقيب الحاليةتسمح لنا بإضافة القليل. لم نعد، على كلٍ، نتشكك في تقرير الكاتب والسفير العربي المرسل من مصر ابن سليم الأسواني [وهو تقرير احتفظ به في الخطط المقريزية] حوالي سنة 976 ميلادية، والذى يشير الى أن سوبا (سوبة كما يكتبها) "فيها أبنية حسان ودور واسعة وكنائس كثيرة الذهب وبساتين" وأن "متملك علوة أكثر مالاً من متملك المقرة وأعظم جيشاً وعنده من الخيل ما ليس عند المقري وبلده أخصب وأوسع" [أضغط للنص الكامل للأسواني].

يذكر ابن حوقل، الذى يدعي أنه زار علوة في النصف الأخير من القرن العاشر، بأن مملكة دنقلا (أي المقرة) كانت خاضعة لسلطة ملك علوة (Vantini 1975: 166) رغم أن المسعودي يذكر في عام 943 ميلادية أن ملك النوبه، الحاكم في دنقلا، سيطر على كل من المقرة وعلوة (Vantini 1975: 130). يشير احتمال أنه وفي حوالي 975 ميلادية احتل وريث عرش علوة، سيمون، منصباً مرموقاً في المملكة الشمالية، الى صلة قوية بين المملكتين (Munro-Hay 1982-3: 109). ويشير شاهد القبر الرخامي للملك داؤود الذى عُثر عليه في أعمال التنقيب الجارية انه، على الأقل في السنوات المبكرة من القرن الحادي عشر، كان لكل من علوة ودنقلا ملك خاص. يصف ابن حوقل سوبا في أوج ازدهارها : " الجزء الأكثر ازدهاراً في البلاد هو منطقة علوة، والذى يضم سلسلة غير منقطعة من القرى وشريط مستمر من الأرض المزروعة، بحيث أن المسافر يمكن أن يمر في يوم واحد بعدد من القرى التى تلتصق بعضها بالبعض، تتوفر لها الماء من النيل عن طريق السواقي". ويضيف أبوصالح "هنا توجد قوات ومملكة كبيرة مع محافظات واسعة بها 400 كنيسة ... حولها (المدينة) توجد أديرة بعضها بعيداً عن النيل وبعضها على ضفتيه" ×.

القليل جداً من المواقع معروف في هذه المنطقة والمفترض أن تكون تحت سيطرة ملوك علوة. الى الشمال عُلمت حدودها عند مملكة المقرة كما يتضح ذلك في اتفاقية البقط الموقعة في العام 652 بين المسلمين في مصر والنوبيين (كما يوردها المقريزي) : "عهد من الأمير عبدالله بن سعد أبى السرح لعظيم النوبة وجميع أهل مملكته، عهد عقده على الكبير والصغير من النوبة من حد أرض أسوان الى حد أرض علوة".

ليس هناك اجماع بين العلماء حول موقع الحدود بين المقرة وعلوة. المنطقة غير المضيافة الواقعة بين الجندلين الرابع والخامس، في رأي آدمز، يمكن أن تكون قد مثلت منطقة عازلة بين المملكتين (Adams 1977: 470)××. الى الجنوب، ليست هناك عوائق جغرافية حتى منطقة السدود. لقد تم تقديم اقتراح يقول بأنه وفي فترة أقدم امتد التأثير المرَّوي بعيداص الى الجنوب حتى منطقة السدود في مصب نهر السوباط (Dixon 1963: 234; Arkell 1950: 40)، حتى النيل الأزرق في منطقة الروصيرص (Chataway 1930). الى الجنوب الشرقي فإن سيطرة الأكسوميين على طرف الأراضي المرتفعة الإثيوبية قد حدت من امتداد المملكة النوبية. الى الشرق والغرب لا توجد حدود واضحة.

مؤخراً تم الكشف عن فخار مشابه لذلك المكتشف في سوبا في دلتا القاش التى تبعد 350 كيلو متراً الى الشرق (Fattovich 1984). في رأي فانتيني سكن في وادي القاش في القرن العاشر الباقلين (تافلين)، وهم قبيلة بجاوية وصفهم ابن حوقل رعاةً مسلمين رحل يحكمهم ملك تابع لملك علوة (Vantini 1975: 163 fin. 13, 164; cf. Kirwan 1972b: 462؛ لامتداد محتمل لمملكة علوة انظر آدمز، النوبة رواق إفريقيا، شكل 70 ص. 409 و Osman 1982, fig. 2). يذكر ابن حوقل أن مناجم الذهب، الممتدة على ساحل البحر حتى بلاد الزنج، كانت تحت سيطرة علوة. وبما أنه يضع بلاد الزنج في مقابلة عدن (Vantini 1975: 167) فإن ذلك يشير مجدداً الى أن سيطرة علوة امتدت شرقاً حتى البحر الأحمر. كان الذهب مستغلاً بصورة محدودة في تلال البحر الأحمر حتى وقت قريب (Sudan Almanac 1960: 88). يسجل اليعقوبي أن قبيلة بجاوية أخرى، البازين، تقيم في الحدود بين مملكة علوة النوبية والبجة الباقلين. يطابق فانتيني الباقلين بقبيلة كوناما التى تعيش حالياً الأراضي المنخفضة الاريترية (Vantini 1981: 101). ويتحدث ابن سليم الأسواني عن "البجة الداخلة فى صحراء بلد علوة مما يلي البحر المالح الى أول الحبشة". ويتحدث أيضاً عن شعب على ضفاف نهر، يحتمل أن يتطابق مع نهر عطبرة، "وعليه جنس مولد بين العلوة والبجة يقال لهم الديجيون"، مما يشير الى أن التعايش السلمي بين العلويين وجيرانهم البدو الى الشرق ساد في حالات. وجدت بعض المواقع من أصل مسيحي في غرب السودان أيضاً (Monneret de Villard 1935: 1269-79; Arkell 1959: 115-19). أعلن آركل عن اكتشاف شقفتي فخار من نوع مسيحي نوبي في عين فارا بدارفور في مبنى تم التعرف عليه مسجداً (cf. Arkell 1936; de Neufville and Houghton 1965: 200). موقعان آخران في غرب كردفان، أبوسفيان وزنكور، عدا منتميان لتاريخ مسيحي. تم العثور في الموقع الأول على أباريق حجاج. لقد تمت ملاحظة فخار نوبي مسيحي متأخر في تشاد في كورو تورو وبوشيانجا (Shinnie 1971: 49). 

على بعد أربعة كيلو مترات الى الغرب من سوبا، بالقرب من أم دوم، توجد أكوام من الطوب الأحمر يتناثر فوقها فخار مماثل للفخار الذى تم الكشف عنه في موقع سوبا. وفي الدفية، شمال شرق الخرطوم، كان هناك في الغالب مركز مسيحي يضم منشئات ضخمة (Vercoutter 1961: 102). وفي بري الى الجنوب من محطة كهرباء الخرطوم تم الكشف في عام 1929 عن جدران من الطوب الأحمر في ارتباط بفخار مسيحي، بما في ذلك شقف من نوع سوبا وشقف لأمفورا مستوردة والتى تبدو من صورتها الفوتغرافية المنشورة من نوع صناعة يرمز لها يو 3 (Addison 1930: pl. II, nos. 3 and 2). ويذكر فيرني الذى زار بري في الأربعينات من القرن الماضي، بقايا طوب "حيث تظهر آثار موقع اقامة كبير" (Werne 1949: 68). مواقع مسيحية أخرى لاحظها في بداية القرن الماضي جنوباً مع النيل الأزرق حتى سنار (أورد المعلومة Budge 1907, II: 305-306) ويمكن لتلك إضافة العديد من المواقع التى سجلها بالفور بول (Balfour Paul 1952: map. 1). مرَّ جيمس بروس عبر آلتي، وأربجي، والبشاقرة، وودمدني في عام 1772 لكنه لم يذكر أطلال (Bruce 1805, IV: 507-14)، مما يشير الى أنه بحلول ذلك الوقت لم تبق أية أطلال واضحة.

احتوت مقابر تم الكشف عنها في عام 1925 في ود الحداد على جرار فخارية، بعضها من الأنواع المشهودة أيضاص في سوبا، مزخرفة بأشكال مسيحية لا شك فيها (Balfour Paul 1952: 213)، محتويات جنائزية مرتبطة بمدافن لأناس مسيحيين معروفة في أماكن أخرى من النوبة. ففي فرس في كل مقابر الأساقفة تغيبت، حتى نهاية القرن العاشر، المرفقات الجنائزية. فيما بعد ذلك كانت تلك المرفقات موجودة بصورة دائمة وشملت جرار ماء كبيرة، ومصابيح، ومباخر بالإضافة الى موضوعات من الخشب والمعدن (Zurawski 1985: 414).

رغم أن مناطق مملكة علوة المركزية تقع في إقليم يبلغ معدل هطول الأمطار السنوي فيه اليوم 200 مليمتر، وبما أن كل الهطول المكثف ينحصر في فترة قصيرة في أواخر الصيف فإن ممارسة الزراعة الدائمة كانت ممكنة فقط بالقرب من النيل وروافده. يقول ابن سليم في وصف ثروات علوة
"وبلده أخصب وأوسع والنخل والكرم عندهم يسير وأكثر حبوبهم الذرة البيضاء التى مثل الارز منها خبزهم ومزرهم واللحم عندهم كثير لكثرة المواشى والمروج الواسعة العظيمة السعة حتى أنه لا يوصل الى الجبل إلا فى أيام وعندهم خيل عتاق وجمال صهب عراب".
ويضيف الإدريسي الذى كتب في القرن الثاني عشر :
"سكان هذه المدينة [علوة] يشربون ماء النيل. على صفتيه يزرعون القمح والشعير وخضروات أخرة مثل البصل والفجل والخيار والبطيخ. المظهر العام لعلوة، ومبانيها، وعادات أهلها وتجارتها مشابهة لما في دنقلا".
تشير البينة الآثارية الى أن علوة كانت الى حد بعيد مكتفية ذاتياً. جزء محدود فقط من الفخار الناعم تم استيراده من النوبة الشمالية في حين تندر المصنوعات الفخارية العربية. بالمثل فإن ندرة الأمفورا المصرية تقدم القليل من البينة الدالة على تجارة الخمور والزيوت بعيدة المدى. يؤلف الزجاج المستورد، على كلٍ، نسبة كبيرة من الزجاج المكتشف في الموقع ويشير الى وجود طرق تجارية للسلع عالية القيمة نسبياً. امتلكت علوة أراض خصبة ولا شك أن كانت هناك تجارة في المنتجات الزراعية. اعتمدت قوة علوة وثروتها احتمالاً على توفر موارد رقيق كامنة فيما وراء حدودها، في حين أن المملكة الشمالية كان يمكنها الوصول فقط الى الصحارى غير المأهولة نسبياً فيما وراء النيل. لقد كان أحد شروط البقط، والذى ظل سارياً لعدة قرون، أن يقدم النوبيون ما يزيد عن 360 من الرقيق سنوياً.

كانت تجارة العاج وجلود الحيوانات هى الأخرى ذات أهمية. حي المسلمين الكبير في سوبا الذى يذكره الأسواني يشير الى وجود علاقات صلات تجارية قوية مع العالم الإسلامي ويحكى اليعقوبي عن زيارات للمسلمين الى سوبا ليتمعوا الى الأخبار الخاصة ببدء الفيضان (Vantini 1975: 78). غير واضح عما إذا كانت مناجم الذهب حول فازوغلي (فاماكا) والتى أرسل إليها ملوك أكسوم البعثات (Kirwan 1972a: 170) تحت سيطرة علوة، لكن مناجم منتجة في علوة نجد ذكراً لها عند ابن حوقل الذى يلاحظ باستغراب عدم اهتمام الناس بها.

غير واضحة أهمية مثل هذه الأحداث المشهودة آثارياً كهجران الكنيسة الجنوبية في الكوم B، وإزالتها جزئياً واستخدامها لأغراض سكنية وما أعقب ذلك من إعادة بناءها واستخدامها مجدداً كنيسة، وملامح تواتر مماثل للأحداث في الكنيسة الشمالية. هل تعني تلك الأحداث ذات الأهمية بالنسبة لسوبا ككل، تحولاً أيديولوجياً نتج عن احتلال أجنبي للمدينة، أم أنه يمكن تفسيرها بعوامل محلية صرفة قليلة الأهمية؟ بالمثل ما هى أهمية رمي الأواني الزجاجية الجيدة والتى كانت مستخدمة باهمال في الغرفة m 1 للمبنى من الطوب الأخضر والهجران اللاحق للمبنى وبناء آخر جديد فوق أطلاله المتعرية؟ قد يكون ذلك نتيجة الدمار الذى عززه الحريق في الطور الثالث، مع ذلك يمكن أن يكون الهجران المماثل لمبنى كبير من الطوب الأخضر أبعد الى الشرق في الكوم ، والذى نقب فيه بيتر شيني، وتشييد مبنى آخر فوق أطلاله مرتبطاً بالحريق. إذا كان الأمر كذلك، فإننا نمتلك بينة عن إعادة بناء أساسية لما يمكن أن يكون احتمالاً مركز سوبا الديني والسياسي في أواخر العصر المسيحي؛ احتمالاً في وقت كانت قد انهارت فيه الكنائس في النهاية الغربية للكوم وتم الاستيلاء عليها عن طريق ملاك الأراضي. يشير تاريخ راديوكاربوني مستخلص من مادة ارتبطت بنشاطات منزلية في الغرفة H ومن الفخار المصقول من الترسبات نفسها في الكنيسة الشمالية في الكوم B الى أن المبنى بحلول القرن الثاني عشر لم يعد مستخدماً لأغراض العبادة. البعد عن الكنيسة الأم في الاسكندرية وأسلمة نوباديا لا بدَّ وقد ميعت صلات علوة مع العالم المسيحي.

كانت المملكة في القرن الثاني عشر على ما يبدو في حالة انهيار ونشأت مملكة مستقلة، مملكة الأبواب، في أطراف علوة الشمالية. يشير غياب فخار مميز للفترة المسيحية الختامية وكذلك مصنوعات فخارية إسلامية مصقولة ترجع لتاريخ لاحق للقرن الثالث عشر الى أن ثروات مدينة سوبا كانت آخذة في الاضمحلال ببداية القرن الرابع عشر على الأقل. مصدرنا الوحيد لسقوط سوبا يوفره تاريخ الفونج : "قبل هذا التاريخ [1504] أطاح الفونج بالنوبا وجعلوا مدينة سوبا عاصمة لهم؛ وكانت في تلك المدينة مبان رائعة وحدائق ونزل شغلة المسلمون" - وفي مكان آخر "هكذا سار عمارة وعبدالله جماع برجالهم وحاربوا ملوك سوبا وقري وهزموهم وذبحوهم" (Vantini 1975: 786-7).

تم تركيب تاريخ الفونج في زمن منفصل بعيد عن تلك الأحداث ومن ثم فإن مصداقيته تظل مفتوحة للنقاش (Adams 1975: 15). تشير ندرة الفخار الفونجاوي من الموقع الى أن المدينة لم تك مأهولة حينها. إشارة التاريخ الى المباني الرائعة، والحدائق والنزل الذى عاش فيه المسلمون مأخوذ فيما هو واضح من عمل ابن سليم الأسواني ولا علاقة له بمدينة سوبا الفونجاوية. عندما مرَّ ديفيد روبيني عبر سوبا في عام 1523 وصفها بالأطلال مع سكان يعيشون في عشش خشبية لكنه تمكن من السفر لمدة عشرة أيام الى مملكة الجعل والتى كانت لازالت تحت سيطرة مملكة سوبا.

لم يرد ذكر لسوبا في عمل بروس الذى سافر شمالاً مع النيل الأزرق من سنار في عام 1772 لدى عودته من رحلته الى إثيوبيا. لم يمر بالموقع، على كلٍ، بسبب ظروف محلية. "عسكر البطاحين بالقرب من أبي دوم، وهى قرية كبيرة على ضفة النهر، على بعد حوالي سبعة أميال من العيلفون. انهم سراق، نهابون ومررنا بهم في الفجر قبل شروق الشمس" (Bruce 1805, IV: 514). مع احتلال السودان بأمر من محمد على في عام 1820، زار عدد من الرحالة الأوربيين، أولهم كايو، سوبا وتركوا وصفاً لأطلالها، لكن واضح أنه بحلول السنوات المبكرة للقرن التاسع عشر لم تعد مباني سوبا المسيحية مرئية أكثر مما هى عليه الآن. بعض وصف الرحالة جمعه شيني (Shinnie 1961: 82-4) وأوصاف أخرى محتواة في الملحق 1 من هذا التقرير. 

المواد ذات الصلة بالكرونولوجيا المطلقة لسوبا تشتمل على الآتي:
أدبية - تم تحويل ملك علوة الى المسيحية في 580 ميلادية. كانت المملكة قوية ومزدهرة في القرن العاشر، وفي حالة تفكك في القرن الثاني عشر، وتم احتلال الفونج لها في بداية القرن السادس عشر. أصبحت سوبا خراباً في عام 1523.
نقوش وتماثيل صروحية - كبش حجري، احتمالاً القرن الميلادي الثاني، يسجل اسم ملك مرَّوي؛ أبوهول ونقش بارز لـ هاثور، الاثنان من عصر مروي أو نبتة. شاهد قبر مؤرخ بالعم الميلادي 897 ونقش الملك داؤود 1015 ميلادية.
لقي - شقف ما قبل تاريخي؛ شقوف وزجاج وغيرها مرَّوية و/أو نبتية تم الكشف عنها؛ أيضاً مواد صنعية مسيحية؛ أواني فخارية وزجاجية مستوردة؛ جيتون زجاجي مؤرخ 1020- 1035 ميلادية؛ فخار فونجاوي.
محددات عمر راديوكاربونية - تلك محتواة في الملحق 1.


المنشئات المسجلة عن طريق جامعي التحف الزوار والمنقبة في سوبا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين
البوابات
"عندما زار بدج سوبا في عام 1903 كانت المباني الجانبية للعديد من بوابات المدينة بحجم معتبر" (Budge 1907: 42). بعد أعمال تنقيب في الكنيسة في الكوم C قام بدج والكولونيل ستانتون بدراسة بقايا بوابة حجرية والتى يقول عنها لم تبدو بذاك القدم مثل المعبد والذى اعتقد أنه موجود تحت الكنيسة. لم يقدم بدج أية إشارة بالنسبة لموقع تلك البوابات ولا توجد بينة على ذلك اليوم، ومن ا‘مال المسح الأرضي والصور الجوية يبدو أنه كانت هناك دائرة دفاعية.

المعبد
يلاحظ بدج وهو يصف الكنيسة في الكوم C أن الأطلال تشير الى أنه في القرون المبكرة من العصر المسيحي قد حول معبد مدفون الى كنيسة (المرجع نفسه 43). البينة على هذه الإفادة لم تذكر، لكنه كان الى حد بعيد تحت تأثير الكبش المرَّوي الذى يقال بأنه قد عثر عليه في منطقة الكنيسة.

الكنيسة
وصف بدج أطلال الكنيسة في الكوم C بأنها أكثر من مهمة. نقب هو والكولونيل ستانتون حول الأعمدة القائمة وعثرا على عدد من المصاطب المبنية بالطوب الأخضر ويبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار تقريباً. اتضح أن مسطبتين منها تغطيان مدافن خالية من أية مرفقات جنائزية (المرجع نفسه 324). في عام 1910 أعاد سومرز كلارك تنقيب جزء من الكنيسة ونشر خريطة حدسية للمبنى (Clarke 1912: 36ff).

المدافن
في عام 1851 وصل الى سوبا الكاردينال ماسايا0. يصف الكشف عن مدفنين، كانت الأجسام فيها منبوشة والعظام متناثرة. عثر على صلبان في المدفنين. تشكل الداخل في كل من المدفنين عن طريق أربعة ألواح ضخمة من الطين المحروق، حوالب المتر طولاً ونصف المتر عرضاً، مثبتة على الجدار المحيط. كان بعض تلك الألواح في وضعه الطبيعي، لك الأخرى تعرضت للكسر بفعل ازالة الجدران. رأيت بعض الحروف القبطية والإثيوبية في النقوش التى غطت الألواح (Toniolo and Hill 1974: 311-12).

هوامش
* إذا صحت مطابقة توروك لـ علوة بـ عل(ا)بى - ابالى المذكورة في دفتر يوميات جوبا، أي المقرن الحالي عند ملتقى النيل بنهر عطبرة، فإنه يستبعد أن تكون المملكة قد أخذت اسمها من ذلك المكان (Török 1988: 35, 72-73).
** يسجب الكاتب العربي الدمشوي (توفى 1327) أن ملك علوة سكن في مدينة سميت كوسو (في Vantini 1975: 447) ويسمي الحراني المصري (حوالي 1295) عاصمة علوة بـ ويلولة (Vantini 1975: 457).
× أعتذر عن عدم الرجوع مباشرة للمصدرين، ابن حوقل وأبوصالح، وذلك لعدم توفرهما لديَّ في الوقت الراهن مما اضطرني للترجمة عن الإنجليزية، وهو أمر فيه الكثير من المفارقة التى آمل تجاوزها بمجرد توفر المصدرين - أسامة.
×× يقول آدمز "يبدو أنه ما كانت هناك في الحقيقة تخوم سياسية ثابتة بين المقرة وعلوة؛ فالإقليم الصخري غير المنتج بين الشلالين الرابع والخامس سوف ينصب منطقة عازلة طبيعية ذات أثر، لربما أن سكانها الأقلة لم يكونوا مساءلين بشكل متسق لأي من الملكين (إنه في هذا المكان بدقة كان العمري قادراً على إقامة دولته المتمردة في القرن التاسع). وربما كانت التخوم العلنية لعلوة التى أشار إليها ابن سليم حدود لهجة أخرى". [انظر ترجمة د. محجوب التجاني محمود الى العربية لعمل آدمز المشار إليه "النوبة رواق إفريقيا"، شركة مطبعة الفاطيما إخوان، القاهرة، 2004، ص.419]  - [أسامة]. 
0 هذا المرجع لفت إنتباهي له مشكوراً السيد الصادق ساتي حماد

References
Adams W.Y. 1975, 'The Twilight of Nubian Christianity', In: K. Michalowski (ed.), Nubia, Récentes Recherches. Actes du Colloque Nubiologique International au Musée National de Varsovie, 19-22 juin 1972. Varsovie: 11-17.
Adams W.Y. 1977, Nubia: Corridor to Africa. London.
Addison F. 1930, 'A Christian Site Near Khartoum'. Sudan Notes and Records 13: 285-288.
Arkell A.J. 1936, 'Darfur Antiquities', Sudan Notes and Records 19: 301-311.
Arkell A.J. 1950, 'Varia Sudanica'. Journal of Egyptian Archaeology 36: 24-40.
Arkell A.J. 1959, 'A Christian Church and Monastery at Ain Farah, Darfur', Kush 7: 115-119.
Balfour Paul H.G.B. 1952, 'Early Cultures on the Northern Blue Nile'. Sudan Notes and Records 33: 202-215.
Behrens P. 1986, 'The Noba of Nubia and the Noba of the Ezana Inscription: A Matter of Confusion', Afrikanistische Arbeitspspiere, Schriftenreihe des Kölner Instituts für Afrikanistik 8: 117-126.
Bruce J. 1805, Travels to Discover the Sources of the Nile, in the years 1768-1773, 2nd edition. Edinburgh.
Budge E.A.W. 1907, The Egyptian Sudan. 2 vols. London.
Chataway J.D.P. 1930, 'Archaeology in the Southern Sudan', Sudan Notes and Records 13: 259-268.
Chittick H.N. 1982, 'Ethiopia and the Nile Valley'. Meroitica 6: 50-55.
Clarke S. 1912, Christian Antiquities in the Nile Valley. Oxford.
Dixon D.M. 1963, 'A Meroitic Cemetery at Sennar (Makwar)', Kush 11: 227-234.
Fattovich R. 1984, 'Possible Christian Remains in the Gash Delta, Kassala Province (Sudan)'. Annali dell'Istituto Universitario Orientale 44: 399-406.
Hofmann I. 1981, 'Der Widder von Soba'. Göttinger Miszellen 43: 53-60.
Hintze F. 1959, Studien zur meroitischen Chronologie und zu den Opfertaflen aus den Pyramiden von Meroe. Berlin.
Kirwan L.P. 1972a, 'The Christian Topography and the Kingdom of Axum'. Geographical Journal 138 pt 2: 166-177.
Kirwan L.P. 1972b, 'An Ethiopian-Sudanese Frontier in Ancient History'. Geographical Journal 138 pt 4: 457-465.
Kirwan L.P. 1980, 'The Emergence of the United Kingdom of Nubia', Sudan Notes and Records 61: 134-139.
Kirwan L.P. 1981, 'Aksum, Meroe, and the Ballana Civilisation', In: W.K. Simpson and W.M. Davis (eds), Studies in Ancient Egypt, the Aegean, and the Sudan. Boston: 115-119.
Kirwan L.P. 1989, Meroe, Soba, and the Kingdom of Alwa'. Meroitica 10: 299-304.
Littmann E. 1913, Deutsche Aksum Expedition. Berlin.
Monneret de Villard U. 1935, La Nubia Mediovale, Vol. I. Cairo.
Munro-Hay S.C. 1982-83, 'Kings and Kingdoms of Ancient Nubia', Rassegna di Studi Etiopici 29: 87-137.
de Neufville R.L. and A.A. Houghton 1965, 'A Description of Ain Farah and of Wara', Kush 13: 195-204.
Osman A.A. 1982, 'Medieval Nubia: Retrospects and Introspects', In: P. van Moorsel (ed.), New Discoveries in Nubia. Leiden: 69-90.
Shinnie P.L. 1961, Excavations at Soba. Sudan Antiquities Service, Occasional Papers No. 3, Khartoum.
Shinnie P.L. 1967, Meroe: A Civilisation of the Sudan. London.
Shinnie P.L. 1971, 'The Culture of Medieval Nubia and its Impact on Africa', In: Yusuf Fadl Hassan (ed.), Sudan in Africa. Khartoum. pp. 42-50.
Toniolo E. and R.L. Hill (eds) 1974, The Opening of the Nile Basin. London.
Török L. 1974, 'Ein Christianisiertes Tempelgebaude in Musawwarat es Sufra (Sudan)'. Acta Archaeolgica Academiae Scientiarum Hungaricae 26: 71-103.
Török L. 1988, Late Antique Nubia. Budapest.
Vantini G. 1975, Oriental Sopurces concerning Nubia. Heidelberg-Warsaw.
Vantini G. 1981, Christianity in the Sudan. Bologna.
Vercoutter J. 1961, Le Sphinx D'Aspelta de Defeia', Mélanges Mariette (Bibliothèque d'études 32): 97-104.
Werne F. 1848, 1849 Expedition zur Entdeckung der Quellen des Weissen Nil. Berlin -English translation by C.W. O'Reilly, London.
Zurawski B. 1985, 'Bishop's Tombs in Faras', In: F. Geus and F. Thill (eds), Mélanges offerts a Jean Vercoutter. Paris: 413-421.


فلنتاكتف ونطلقها صرخة داوية لا لعبث صبية الإنقاذ بتراث أمتنا السودانوية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق