الأربعاء، 15 مارس 2017

عادات الدفن في وادي النيل الأعلى: لمحة عامة


أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســـودانية


مجلة الآثار السودانوية/ العدد الرابع/ فبراير 2003
BURIAL CUSTOMS IN THE UPPER MAIN NILE: An Overview
Francis Geus
عادات الدفن في وادي النيل الأعلى: لمحة عامة
فرانسيس جيوز (1)
ترجمة د. أسامة عبدالرحمن النور

إن دراسة لعادات الدفن النوبية والسودانية خلال مجمل التواتر الثقافي هى مسألة بالضرورة معقدة ومهمة غير مكتملة، وذلك بفعل أن علم آثار تلك المنطقة قد ركز بصورة رئيسة على التنقيب فى المدافن. الأكثر أهمية، أن المدافن تؤلف وحدات منغلقة تحوي، فى معظم الحالات، معطيات غنية ومتماسكة مميزة لعصرها، والتى استخدمت بفعل ذلك محددات كرونولوجية وثقافية. ساعد تحليل المجاميع والمنشئات الجنائزية الى حد بعيد فى التعرف على الثقافات النوبية، وفى تثبيت كرونولوجيتها، وفى تحديد علاقاتها بالمناطق الأخرى وبالثقافات السابقة/ اللاحقة، وفى نهاية المطاف فى فهم بنياتها الاجتماعية. الأسباب التى قدمت عادة لتبرير النشاط المكثف للتنقيب فى المدافن هو توفر موضوعات مكتملة بداخلها. لكن، للأسباب المذكورة فى الأسطر السابقة، فإن وجهة النظر هذه تحتاج الى إعادة نظر : محتويات المدافن تمكننا من انشاء اطار كرونولوجي، وثقافي، واجتماعي، واقتصادي لكل بحث لاحق.

إن المقابر وقد استخدمت بداية وقبل كل شئ محددات كرونولوجية واجتماعية- ثقافية، قد تم دراستها كوحدات فى ذاتها. إن ذات طبيعة فرع معرفتنا قد تكون مسئولة عن ذلك. كيف يمكن لبقايا مادية محضة أن تكشف عن المعتقدات والأفكار المحتواة فيها؟ على كلٍ، يمثل الموت لأية مجموعة اجتماعية حدث جلل مصحوب بعدد لا نهائي من المعاني الضمنية. فكما سجلته المدنية المصرية القديمة وأكدت عليه " فإن رد الفعل تجاه الموت ليس أمراً عشوائياً لكنه ذو معنى وتعبير Hutington and Metcalf,1979:1. لكن، علماء الآثار، فى أبحاثهم، لا بدَّ لهم من استيعاب الواقع الصعب. منذ الأزمان القديمة، طال الكثير من أعمال النهب والتخريب للمواقع، إما بفعل إنساني أو طبيعي، معظم الجبانات مما أدى الى زوال العديد من المعطيات. فكما ذكر محقاً آدمز 1977:156 "... ان الكشف عن مدفن فى حالته الأصلية يمثل رسالة مقروئة لعالم الآثار". مع ذلك فإن مدفن فى حالته الأصلية قد يكون فاقداً لكل أثر لمحتوياته العضوية.

ما قبل التاريخ
تم الكشف عن أقدم المدافن فى وادي النيل الأعلى فى النوبة السفلى، فى جبل صحابة Wendorf,1968b والجزيرة دبروسا، بالقرب من وادي حلفا، وتوشكا Wendorf,1968a:869-875 ونسبت لثقافة قادان (حوالي 13000 - 8000 قبل الميلاد)، والتى تمثل نهاية العصر الباليوليتي فى تلك المنطقة.

يذكر الأدب المتخصص جبانة جبل صحابة عادة لأسباب لا صلة لها بالطقوس الجنائزية. بالطبع، القطاع الأكبر من أهل الجبانة - رجال ونساء وأطفال - يظهرون مؤشرات دالة على حالة موت بفعل عمل عنف، ولوحظ أن مركب الأسلحة الحجرية التى قتلتهم وجد فى داخل أجسادهم فى بعض الحالات. مع ذلك، وفرت هذه الجبانة معلومة قيمة عن عادات الدفن. إنها المثال الهام الأول فى المنطقة لسكان يمنحون اهتماماً بموتاهم و، من ثم، يمكن عدهم السباقون فى تثبيت تلك التقاليد التى ستظهر لاحقاً فى النوبة؛ المقابر فى منطقة تبدو مخصصة للدفن فقط؛ يقبع العديد من المقبورين فى حفر بيضاوية صغيرة محمية بصفائح رقيقة من الحجر الرملي؛ وضع الجثمان واتجاهه هو نفسه بالنسبة لكل الهياكل التى ترقد فى وضع مقرفص على الجانب الأيسر، الرأس باتجاه الشرق وتتجه الى الجنوب، الأيدي عادة أمام الوجه؛ فى حالات، يضم القبر الواحد مدفنين الى أربعة (شكل 1). على كلٍ، لم يتم الكشف عن محتويات قبر مع أن العديد من المدافن سالمة فى وضعها الأصلي. فى توشكا والجزيرة دبروسا، اتخذت الهياكل الوضع نفسه رغم أن اتجاهها لم يخضع لضوابط ثابتة. فى توشكا لوحظت جمجمة بقرة برية (Bos primigenius) موضوعة من فوق العديد من المقابر، وذلك فى الغالب لتعليم موقع المقبرة.

شكل 1: جبانة قادان فى جبل صحابة. صورة الركن الجنوبي الشرقي (نقلاً عن وندورف)
يبدو ان تلك البدايات المدهشة للتقاليد الجنائزية فى النوبة لم تستمر. فبرغم عمليات الاستكشاف الشامل، لم يتم الكشف عن مقبرة نيوليتية فى النوبة السفلى. غير واضح عما إذا كان ذلك يعزى للبحث الميداني غير المتقن أو تعرية الموقع أو غياب نشاطات الدفن. على أية حال، فإن الاكتشافات الأخيرة فى السودان الأوسط قد عدلت لحسن الحظ الوضع ووفرت بينة دالة على تطور عادات الدفن خلال هذا العصر.

ترجع أقدم المدافن فى هذه المنطقة الى ما يعرف بـ الخرطوم الميزوليتية (حوالي 8000 -5000 ق.م.) وتختلف اختلافاً كبيراً عن القادانية فى النوبة السفلى. كانت وسط مواقع الاقامة ولم تحتل مناطق مخصصة. لم تكن على هناك ضوابط محددة تحكم اتجاه الجثمان أو وضعه. مع أن الهياكل مقرفصة فى
 حالات، فإنها فى الغالب ترقد  الظهر مع الأرجل فى حالة انحناء الى الأمام والأيدي بعيدة عن الوجه (شكل 2). فى شابونا، بالنيل الأبيض، تم الكشف عن هيكلين فقط فى حالة حفظ جيدة وكانا كلاهما يرقدان فى وضع ممدد على ظهريهما Clark,1989. لا تظهر المقابر ولا الهياكل أي غطاء خارجي أو حماية ولا وجود لمحتويات قبر، باستثناء حالات قليلة: فى السقاي Caneva,1983:21-24 والخرطوم Arkell,1949:31-35، صدف محار قد يكون مرتبطاً ببعض المدافن؛ فى الخرطوم، صاحبت شقفة فخار كبيرة أحد الهياكل ووضعت كمسندة للرأس فى حين أن هيكل
شكل 2: مدفن ميزوليتي فى السقاي (نقلاً عن كانيفا)
آخر تزين بعقد من خرز من بيض نعام.  عادات دفن أكثر تعقيداً تظهر فقط فى وقت لاحق، فى مواقع الخرطوم النيوليتية (الألفية الخامسة قبل الميلاد)، كما دللت على ذلك أعمال التنقيب فى الكدرو Krzyzaniak,1984 والغابة  Geus,1984;  Lecointe,1987، حيث تم التنقيب مؤخراً فى جبانات كبيرة. جدير بالملاحظة ان المقابر هناك، كما فى النوبة قبل عدة الالاف من السنين، تقع خارج مواقع الاقامة فى مناطق مخصصة لذلك. 

تعرف المنقبون فى الغابة، بقدر ما سمحت الترسبات، على حفر دائرية أو شبه دائرية تتفاوت أقطارها من 120 سم الى 160 سم. احتوت تلك الحفر على هيكل واحد فى كل منها يرقد فى وضع مقرفص بدون اتجاه محدد. الهيكل عادة يتزين بحلي - أسورة، عقود، وحلق شفاه - ويرقد فى منتصف الحفرة، التى احتوت كذلك على أواني فخارية، وبصورة استثنائية، أدوات من الحجر والعظم، وصدف محار وشظايا ملكيت. أثار خضراء اللون وجدت فى حالات على الأسنان والجماجم؛ آثار حمراء اللون تظهر على العظام والترسب المحيط بها؛ وجدت مناطق بلون أبيض سميك تحت الجماجم والقدمين. بالاضافة، فى المدافن الأكثر حداثة، وضعت فى بعض الحالات جمجمة أو اثنتين بالقرب من جمجمة المتوفى.

تمثل مدافن الخرطوم النيوليتية تطوراً ملحوظاً مقارنة بمدافن الخرطوم الميزوليتية، والتى يمكن الكشف احتمالاً عن جذورها فى المدافن القادانية الأقدم. يمكن ملاحظة ذلك بصورة أكثر وضوحاً فى السلوك تجاه الموت، والذى ينظر اليه تعبيراً عن شكل آخر من الوجود وهو ما قد تشير اليه حقيقة وضع المتوفى الذى يذكرنا بالمرحلة الجنينية فى الرحم ومن ثم حدث الميلاد. مع جهلنا بما يشمله هذا العبور فإننا قد نميل الى احتمال النظر اليه بوصفه طقس استهلال ختامي يعبر من خلاله السكان عن رغبتهم فى مساعدة المتوفى بتقديم عناصر من حياته السابقة، بالتالي التفسير المحتمل لوجود الزينة الشخصية والممتلكات، وأيضاً ضرورة حماية الحفر. يكتشف عالم الآثار للأسف البقايا المادية لهذا السلوك فقط، متجاوزاً مغزاه العميق، والمعتقدات الكامنة والطقوس الدينية والسحرية المرتبطة به. بالتالي فإن التقارير المنشورة عن مواقع الدفن عادة ما تحتوي بالضرورة على كشف المحتويات الممل، لكنه المفيد، الذى يناقش بتفصيل البقايا المادية، لكنه نادراً ما يتناول المفاهيم الجنائزية والمعتقدات نفسها.

لنعود الى موضوعنا، دفن المتوفى فى الغابة بمفرده فى حفرة تشغل وضعاً قبولادياً. ليس هناك اتجاه ثابت محدد. يلبس المتوفى الحلي التى تزينه خلال حياته والتى تنسب احتمالاً الى قوى وقائية. الألوان التى وجدت داخل الحفر تظهر أن اهتماماً كبيراً كرس للجثمان. هناك بالطبع بقايا غطاءات وكساءات مغرة (حمراء)، أو مساند رأس ومساند رجلين (بيضاء) وطلاءات وجه غالباً ذات أهمية سحرية (خضراء). موضوعات مختلفة تحيط بالجثمان، تشير الى حياته أو وضعه الاجتماعي السابق. لم تكن الجرار الفخارية هناك بغرض احتواء الطعام، كما قد يعتقد، طالما أنها وضعت دائماً مقلوبة وفى حالات فوق بعضها الآخر. يحتمل أن تكون قد استخدمت أثناء احتفال طقوسي قبل اغلاق المدفن. أخيراً فإن جماجم الثيران، التى تظل وظيفتها غير معروفة، تشير الى أهمية الماشية للمجتمع وللطقوس الجنائزية.

فى الوقت الذى تبدو فيه القبة تدليلاً جيداً لأنماط الدفن التى ظلت سائدة فى المكان حتى ادخال المسيحية، فإنها أقل توضيحاً للتقاليد الجنائزية الأخرى. لا يمكن الكشف عن مظهر خارجي للقبور وتبدو الجبانة فى مجملها قد تطورت وفق خطوط كرونوطبوغرافية صارمة، وهو ما قد يشير الى بنية اجتماعية مساواتية. الانحراف الوحيد فى الترتيب الأفقي للمقابر وجودد مساحة شاغرة احتمالاً شغلت ببناء مادي لم يعد من أثر له للأسف. رغم أن الكدرو معاصرة للغابة فإنها تظهر تطوراً أشد تعقيداً حيث رتبت مدافنها فى طبقات يفترض أن تمثل وحدات عائلية أو اجتماعية.
شكل 3: إعادة تركيب تخطيطية لمقبرة فى الكدادة (نقلاً عن رينولد)
مع ذلك، فإن ازدهار العادات النيوليتية تتجسد فى الكدادة (الألفية الرابعة ق.م.) المجاورة للغابة واللاحقة لها Geus 1984  ; ReinoldM1987:21-41. تم تنقيب منطقتين رئيستين هناك، بما فى ذلك واحدة تحتوى على العديد من طبقات المقابر مثل الكدرو (شكل 3). ظلت المدافن تشغل حفر دائرية وشبه دائرية؛ وترقد الهياكل فى وضع مقرفص على جانبها بدون اتجاه محدد (شكل 4). كما فى مدافن الغابة، كانت هناك بقع ملونة تشير الى ملابس، وأغطية، ووسادات، ومراتب؛ لكن لم يوجد طلاء وجه، مع أن شظايا ملكيت وجدت وسط القرابين. وفى حين تنوعت المجاميع الجنائزية وتعددت، فإنها كانت ذات الطبيعة نفسها، لكن الجرار كانت فى وضع عمودي. تماثيل أنثوية من الفخار كانت احتمالاً
 أكثر الابداعات أهمية. ورغم أن وظيفتها المحددة لازالت عرضة للنقاش، فإنها تشير الى تطور ملموس بلا شك فى المفاهيم الجنائزية والتى أكدت عليها ابداعات أخرى: احتوت العديد من الحفر على مدافن من فوقها؛ هياكل كلاب و، بدرجة أقل، هياكل أغنام وجدت فى المقابر، الى جانب جماجم الثيران؛ وأخيراً، وجدت عادة دفن الأطفال داخل جرار كبيرة فى موقع الاقامة (شكل 5). أحد أهم الملاحظات الجديرة بالذكر تتعلق بالمدافن الفوقية والتى تحتوي على فردين أو ثلاثة. يبدو أن التحليل المقارن يشير الى وجود القرابين البشرية فى تلك المدافن التى تحتوى على ثلاثة أجساد. إذا تأكد ذلك، فإن تلك تكون بمثابة الحالة الأولى لنشؤ عادة قدر لها الانتشار فى الأزمان اللاحقة، بخاصة فى كرمة. هذا الوجود للقرابين البشرية، والتعقيد المتزايد للمقابر وترتيبها فى طبقات كلها عناصر تشير الى مجتمع غير مساواتي أخذت فيه عناصر التراتب الاجتماعي فى البروز.
شكل 5: دفن داخل جرة فى الكدادة (a) جرة مزخرفة تحتوي على الجثمان؛ (b) محار نيلي؛ (c) جمجمة؛ (d-e) جرار فخارية؛ (f-g) بيض نعام
شكل 4: مدفن نيوليتي فى الكدادة (a) جمجمة ثور؛ (b) هيكل لكلب محطم جزئياً؛ (c) جرار فخارية؛ (d) شظايا مالاخيت؛ (e) خنجر؛ (f) فأس؛ (g) ألواح ظران مكسرة


تم اثراء معلوماتنا عن تلك العادات الجنائزية من خلال التنقيب فى مدافن السودان الأوسط. الأعمال الميدانية فى الماضى القريب والتى أجريت فى حوض كرمة شكلت امتداداً جغرافياً الى الشمال بالنسبة لتلك التنقيبات. جبانات هامة يرجع تاريخها الى فترة الكدادة نفسها تم التنقيب فيها حول كدروكة Reinold,1987:44-54 [للمزيد عن موقع كدروكة أنظر فى هذا العدد الرابع] حيث أنه، بفضل ظروف الحفظ الملائمة، تمكن المنقبون من ملاحظة عناصر جديدة تتعلق، بصفة خاصة، بتوزيع المدفن واتجاه الجثمان.

التاريخ المبكر
المؤسف أن تلك الاكتشافات نالت فقط نشراً محدوداً لكونها تتعلق بالنوبة حيث عُلمت نهاية العصر النيوليتي بظهور ممارسات الدفن الهامة الخاصة بمواقع المجموعة الأولى Nordsröm,1972، والمجموعة الثالثة Bietak,1968، وكرمة Bonnet et al.,1990 والتى خلفت لنا العديد من البقايا المدهشة. المجاميع الجنائزية يمكن مقارنتها بتلك التى سبق وصفها بالنسبة للسودان الأوسط وتحتوي على زينة شخصية، وملابس، وأغطية، وأدوات زينة، وأدوات وجرار فخارية.

على كل، فانه ولغياب مقابر محلية سابقة لها مباشرة، فإن مدافن المجموعة الأولى (حوالي 3500-3000 ق.م.) تمت مقاربتها عادة بمدافن مصر العليا، التى عُدت سلفاً لها. فى الواقع، فإن الجبانة الأقدم المنسوبة للمجموعة الأولى، الواقعة فى خور بهن فى شمال النوبة السفلى، يصعب تمييزها عن نظيرتها المصرية الامراتية. فى معظم الحالات، يقبر الميت فى حفرة شبه مستطيلة أو بيضاوية، ويرقد فى وضع مقرفص على جانبه الأيسر، والرأس فى الجنوب متجهة الى الغرب.

رغم أن التأثير المصري فى أشكال الحفر وضوابط الاتجاه الصارم جلية ولا يمكن استبعادها، فإن ذلك التأثير أقل وضوحاً فيما يتعلق بوضع القرابين بالقرب من الميت. أثبتت أعمال التنقيب فى الغابة، والكدادة، والكدرو، أنه فى الجنوب، النائى عن التأثيرات المصرية، فإن تأثيث المقابر كان ممارسة منتشرة. بالاضافة، تظهر مدافن المجموعة الأولى صلات بمدافن المنطقة الأبعد جنوباً، التى من بين أهمها وجود التماثيل الانثوية المصنوعة من الفخار فى داخلها. يكون مغرياً القول بأن وجود المدافن الفوقية، والتى لا ترتبط بقرابين بشرية، هى صلة أخرى. لكن العادتان تم توثيقهما بالمثل فى مصر ما قبل الأسرية. أخيراً فان كل من المجاميع الجنائزية والمصنوعات الفخارية تتقاسم العديد من السمات المشتركة.

اختيار اتجاه محدد صارم، رغم أنه مأخوذ عن مصر، استجاب لضرورات دينية واضحة فرضتها احتمالاً ظاهرة شروق الشمس ومغيبها. أيضاً فإن اختيار اتجاه صارم والعادة المدهشة لاستخدام جريان مياه النيل للدلالة على اتجاه الشمال، واللتين أصبحتا عادتين راسختين فى النوبة، ترجعان الى التأثير المصري.

إن جبانات المجموعة الأولى بتركيبها كوحدات متجانسة نسبياً تمثل بالتأكيد مجتمعاً مساواتياً، غض النظر عن أنها تضم القليل من المقابر الفقيرة نسبياً. هذه الأخيرة تم تفسيرها بداية بصورة خاطئة بحسبانها نتاج تطوري ونسبت الى خلف للمجموعة الأولى الأكثر فقراً، المجموعة الثانية، والتى أثبت لاحقاً أن وجودها غير فعلي وغير صحيح. الأمر بعكس ذلك، فإن جبانتين فى سيالا وقسطل، ضمتا مقابر ذات ثراء لافت للإنتباه، مما أثار إشكالية التفسير من وجهة نظر اجتماعية تاريخية. بالإضافة، قدمت الجبانة 268 فى تنكالا العديد من السمات الجديدة: بنى فوقية - تشبه فى شكلها تلك الخاصة بالمقابر المتأخرة للمجموعة الثالثة - أماكن للقرابين وفخار قرابيني يغطي المدافن الحفر، مشيراً الى موضعها. على كلٍ، طالما أنها كانت الوحيدة فقط الموثقة، فإن تلك البنى الفوقية لايمكن عدها مؤشرات ثقافية كما هو الحال بالنسبة لتلك الخاصة بالمجموعة الثالثة.

من حيث البنية، فإن مقابر المجموعة الثالثة (حوالي 2200- 1500 ق.م.) مشابهة لمقابر المجموعة الأولى رغم تجلي بعض الاختلافات الدالة على تطور فى المفاهيم الجنائزية التى يمكن تفسيرها كنتيجة إما لمؤثرات مصرية أو مؤثرات جنوبية. يتجلى هذا التطور بصورة أساسية فى الاتجاه المختلف للجثمان، وفى غياب مدافن مضافة فوقية، وفى بناء غرف دفن بالطوب غير المحروق، وتعميم البني الفوقية المرتبطة بالقرابين و، فى فترات لاحقة، وجود قرابين حيوانية. سمة مدهشة تمثلت فى الوجود المتكرر لتماثيل من الطين تصور نساء وأبقار.

مع ذلك، فإن هذه الثقافة المتجذرة فى النوبة السفلى لأكثر من ألف عام، من نهاية المملكة القديمة (3) حتى وسط الأسرة الثامنة عشرة، قدر لها أن تتطور وبالتالي أن تحسن أنماطها. تلك التغيرات تتبدى بوضوح فى المجاميع الجنائزية المعتمدة بشدة على العلاقات بمصر، التىكانت بدورها تشهد تغيرات على مدى الأزمان. وتتبدى أيضاً فى المباني الجنائزية وطرق الدفن.

الحفر التى بدأت دائرية الى حد ما أو ذات أشكال مستطيلة، أصبحت مستطيلة مع ألواح حجرية مصطفة تغطيها فى بعض الحالات. خلال المرحلة الانتقالية الثانية، تم توسيع الحفرة فى المقابر لتتحول الى غرفة من الطوب غير المحروق، مغطاة فى حالات بقنطرة، تشيد عادة فوق مستوى الأرض (شكل 6).
غطت مبان حجرية، مكونة من حجارة جافة دائرية مغطاة بالحصى والرمل، الحفرة. مع زيادة فى الحجم، من 2 - 3 متر فى القطر الى 16 خلال المرحلة الانتقالية الثانية، تدنت نوعية البناء. منذ البدايات الأولى وضعت جرار و، فى حالات أكثر، مسلات مستطيلة وجماجم ثيران على حوافها الخارجية. فى أوقات متأخرة من المرحلة الانتقالية الثانية، شيد مصلى من الطوب غير المحروق أو مكان للقرابين فى حالات فى الجزء الشمالي للمبنى.
شكل 6: مبان فوقية لمدافن المجموعة الثالثة (نقلاً عن يونكر)
وضع المتوفي فى وضعية مقرفصة فى الحفرة وفق اتجاه تغير خلال المملكة الوسطى : شرق- غرب، الرأس فى الشرق متجهة شمالاً أصبح شمال - جنوب، الرأس متجهة غرباً. زين المتوفي بحلي مختلفة، فى الأساس عقود وأسورة. تدل العديد من المكتشفات على وجود ملابس- سواتر العورة، والصنادل، والقبعات، والمخدات. ابداع هام فى المرحلة الانتقالية الثانية تمثل فى ادخال الدفن فى عنقريب.

يظهر هذا الوصف أن إسهام المجموعة الثالثة كان جلياً بالنسبة لتطور المباني الجنائزية أكثر منه بالنسبة لتغيرات المجاميع الجنائزية. بنهاية المرحلة، مجاراة للنموذج الذى يظهر فى المجموعة الأولى واحتمالاً تحت التأثير المصري، أصبحت المقبرة تحتوى على غرفة دفن، وبنية فوقية ومصلى، وهو تقليد تم الاحتفاظ به فى الفترات اللاحقة. التغيرات فى اتجاه الجثمان التى حدثت خلال المملكة الوسطى كانت ذات أهمية دينية محددة لكنها غامضة لازالت.

حدثت تغيرات أخرى هامة. فرغم أن معظم الجبانات تتألف من مقابر متشابهة نسبياً تشير، بالنسبة للمجموعة الأولى، الى مجتمع مساواتي، فإن مقابر أكبر وأكثر ثراءً، تظهر خلال المرحلة الانتقالية الثانية على أطراف الجبانات، كاشفة عن بداية عملية التراتب الاجتماعي. يشير ذلك الىالتأثير من ثقافة كرمة الجنوبية، والذى ينعكس أيضاً فى إبداعات جنائزية مثل جماجم الثيران والدفن على عنقريب (4).

بالطبع، فإنه فقط الى الجنوب من بطن الحجر سجل المنقبون التطور الأكثر إثارة للتقاليد الجنائزية الخاصة بتلك المرحلة وبخاصة فى كرمة، حيث توجد جبانة تتألف من حوالي 30.000 مقبرة الى الشرق من المدينة القديمة.  قادت أعمال جامعة هارفارد ومؤخراً بعثة جامعة جنيفا الى الكشف عن معلومات تتعلق بتطور التقاليد الجنائزية من أصول تلك الثقافة حتى اختفائها فى بدايات المملكة الحديثة عبر ثلاث مراحل متتالية وسمت بكرمة القديمة والوسطى والكلاسيكية (حوالي 2500- 1500 ق.م.).

الأساس، وهو عادة حفرة منفردة، تحول بطريقتين : أولاً، القسم الأفقي، دائري أو بيضاوي خلال فترة كرمة القديمة، أصبحت أكثر استدارة فى فترة كرمة الوسطى وأخيراً مستطيلة فى فترة كرمة الكلاسيكية؛ ثانياً، الحفرة، أصلاً صغيرة، زاد حجمها الى درجة معتبرة فى خلال فترة كرمة القديمة لتعود الى حجمها الطبيعي فى فترة كرمة الكلاسيكية.
شكل 7: مدفن من عصر كرمة الوسطى (نقلاً عن بونيه) (a) بقايا هيكل مبعثرة؛ (b) عنقريب؛ (c) أغنام قرابين؛ (d) بقايا مفاصل لحم؛ (e) جرار فخارية؛ (f) بقايا مائدة؛ (g) بقايا جلد غطى المدفن
اتبع الدفن نفسه الموصوف فى الفقرات السابقة (شكل 7). وضع  المدفون واتجاهه هما نفس ما نجده فى مدافن المجموعة الثالثة فى بداياتها ولم يتغير على امتداد الفترة المتبقية : الجسم مقرفص، الرأس الى الشرق متجهة شمالاً. خيوط، وأستار عورة، وصنادل، وأغطية رأس، ومراوح من ريش النعام سمات معتادة وتوجد عادة فى حالة حفظ جيدة. المواد الجنائزية المخزونة مع المتوفي كانت، كما تمت ملاحظته آنفاً، فى الأساس أواني فخارية؛ لكن فى أطوار لاحقة، شملت موضوعات أكبر عدداً وأشد تنوعاً مثل الأسلحة التى تكشف بلا شك عن بروز طبقة عسكرية كما دلل على ذلك مؤخراً العثور على مدافن نبالين والوجود المتكرر للخناجر البرنزية. وجود واحد من تلك الخناجر فى مقبرة طفل تحمل الكثير من الدلالة حول الموضوع.

على أية حال، تظهر جوانب أخر للدفن أكثر أصالة مثل الدفن على عنقريب، والقرابين الحيوانية والبشرية. ظهر الدفن على عنقريب للمرة الأولى فى نهاية فترة كرمة القديمة وظلت العادة متبعة منذ تلك الفترة. تبني أهل المجموعة الثالثة، كما أشرنا، عادات الدفن تلك فى المرحلة الختامية لثقافتهم. القرابين البشرية، فى الأساس ثيران صغيرة، احتمالاً تجد أصلاً لها فى التقاليد الأقدم للسودان الأوسط. هنا اتخذت معان دينية جد مختلفة، كما تشير الى ذلك الحلي الرأسية لأحد الحملان، والتى صنع جزئها الأساسي من قرص أمامي من ريش النعام. القرابين البشرية، والتى يحتمل أن تكون قد تأصلت هى الأخرى فى التقاليد الأقدم نفسها، والتى ظهرت مع فترة كرمة القديمة، أصبحت أكثر وأكثر شيوعاً خلال فترة كرمة الكلاسيكية، بخاصة فى مدافن موقع كرمة الضخمة، المنسوبة الى حكامها. أحد تلك المدافن احتوى على 322 فرد قدموا قرابين، كان الكثيرون منهم قد دفنوا أحياءً.

إذا كانت تلك التطورات تحت الأرضية تشهد على ظهور مجتمع شديد التراتب مع وجود سلطة مركزية قوية، فإن تطوراً مهماً فى المعتقدات الجنائزية يتجلى أيضاً فوق السطح، فوق المدافن.

بالطبع، تبددو كل مدافن كرمة مغطاة ببنية فوقية، تل دائري من التراب والرمل مغطى بالحصى. فى أكثر الأمثلة وضوحاً، غطت الحصي البيضاء التل فى حين أحاطت الحجارة السوداء التل بصورة فيها تباين مدهش. تلك التلال- أو المدافن التلية- تظهر كأوضح معلم للوضعية الاجتماعية لشاغله طالما أنه، بدءاً من فترة كرمة القديمة، أخذت أخرى تحل محلها من حيث ضخامة الحجم. وصلت هذه النزعة الى ذروة تطورها خلال فترة كرمة الكلاسيكية، حين شيدت سلسلة من المدافن التلية الضخمة فى الطرف الجنوبي للجبانة. شيدت الثلاثة مدافن تلية الأكبر بما فيها واحد بلغ قطره 90 متراً، من فوق جدار من الطوب غير المحروق مرتب فى ممرات وغرف حيث وضع المدفن الرئيس، والأثاثات، وجثمان القرابين ومقابر فرعية. كان التل مغطى فى حالات بطوب غير محروق و، فى حالات قليلة، توج فى القمة بحجر مرمري أبيض.

تؤكد البقايا المرتبطة بالمدفن التلي- مسلة مستطيلة، وأعمدة خشبية (غالباً سواري للأعلام)، وجماجم ثيران كبيرة، وجرار مقلوبة- على تطور الطقوس الجنائزية. على كلٍ، معظمها نمطي بالنسبة لكرمة الكلاسيكية طالما أن الطقوس تبدو وكأنها تفضل الدفن نفسه. مع ذلك، ظل وضع جماجم الثيران فى حافة المدفن التلي تقليداً بلغ مداه الأقصى خلال فترة كرمة الوسطى- احتوى مدفن يرجع الى نهاية هذه الفترة على المئات منها- لتصبح نادرة فى فترة كرمة الكلاسيكية. عكس ذلك، تبدو الجرار الفخارية مميزة لكرمة القديمة وعند، الحكم من حيث وضعها المقلوب ومحتواها الآثاري، فإنها استخدمت احتمالاً خلال مراسم الدفن. رأى المنقبون ربطها ببقايا مواقد وبالتالي بالاحتفالات الجنائزية التى قد تكون أقيمت قبل تشييد التلال. خلال فترة كرمة الكلاسيكية، استكملت المدافن التلية الملكية بمصلى شمالي تمثله بصورة رائعة الدفوفة الشرقية، وهى مبنى من الطوب غير المحروق فى حالة حفظ جيدة، وله نظائر فى بعض مدافن تلية أقل أهمية، القليل منها يرجع الى فترة كرمة الوسطى. الحافز لتشييد تلك المباني يمكن ارجاعه الى مصالي مقابر المجموعة الثالثة، لكن الاحتمال الأقرب أن تكون الفكرة مأخوذة عن مصر، كما قد تشير الى ذلك الزخارف الداخلية الملونة.

تعكس أحجام المقابر التى تم التنقيب فيها فى كرمة ومحتوياتها الظهور التدريجي لمجتمع تراتبي متمركز. يؤكد توزيع المقابر هذه الظاهرة. فى الواقع، فى كل مناطق الجبانة، كانت هناك طبقات مقابر حول مدفن مركزي أكبر. وصلت هذه العادة ذروتها وتطورها الأقصى فى المدافن الملكية لكرمة الكلاسيكية حيث أحيطت المدافن التلية للحكام بأخرى أصغر، لكنها مع ذلك ذات حجم معتبر. احتوت المدافن التلية الملكية، فوق ذلك، مدافن عديدة لاحقة بدون ردمية فوقية خاصة بها لكنها تحتوي مرفقات جنائزية وقرابين. غالباً ما كانت تلك مقابر كبار الموظفين الذين رغبوا فى أن يدفنوا بالقرب من مليكهم.

المرحلة التاريخية
علم الاحتلال المصري للنوبة حتى الشلال الرابع فى بداية المملكة الحديثة النهاية الجزئية للتقاليد المحلية. فى معظم الجبانات التى أجري التنقيب فيها، باستثناء كرمة، أصبحت المقابر بعد عملية انتقالية غير متميزة عن المصرية. التغير الأكثر وضوحاً تمثل فى التحول من الوضع المقرفص الى الوضع الممدد، الذى كان يستخدمه المصريون منذ المملكة القديمة. تجسد المدافن المزخرفة فى النوبة السفلى، مثل مقبرة دجحوتي حوتب، أمير تيخيت *، فى دبيرة شرق، التمصير الواضح للطبقات العليا.

للأسف، فإن المعلومات شحيحة بالنسبة لتلك المناطق الخارجة عن دائرة السيطرة المصرية وبالنسبة لمجمل البلاد منذ الانسحاب المصري فى نهاية المملكة الحديثة حتى ظهور دولة نبتة- مروي (850 ق.م- 320 م.) بعد قرون لاحقة. السجل الآثاري فى تلك الفترة هام إذ أنه يظهر عودة/ استمرارية قوية لأساليب الدفن الأقدم المتنافسة مع التأثير المصري القوي، فى الجبانات العادية والملكية. فى الحقيقة، فإن أحد أهم النتائج المترتبة على هذا التأثير تتجلى فى ظهور جبانات مخصصة للحكام ومرافقيهم، والتى تمثل جبانات الكرو، ونوري، وجبل البركل، ومروي أمثلة لها مثيرة للاعجاب.

من بين تلك، تحتل جبانة الكرو Dunham,1950 المكانة الأولى طالما، لكونها الأقدم، أنها تضم مقابر الأحفاد المباشرين لملوك نبتة التى تقدم دليلاً لإعادة إحياء التقاليد الجنائزية النوبية فى فترة زمنية لم تقدم بعد سوى القليل من البينة المتماسكة. كما فى كرمة، يشغل المدفن حفرة مغطاة بردمية فوقية تلية ويرقد االمتوفى فى وضع مقرفص على جانبه الأيمن، على عنقريب؛ لكن اتجاهها، الرأس متجهة غرباً، هو ما قد تم تبنيه من قبل أهل المجموعة الثالثة خلال المملكة الوسطى. سمة متميزة ومدهشة للجبانة يمكن ملاحظتها فى مدافن لأربعة وعشرين حصاناً تقع كلها فى منطقة واحدة، منعزلة عن المدافن الرئيسة.

مباشرة بعد المدافن المبكرة الأولى، تمت تقوية المدفن التلي بجدار دائري من الحجر واستكمل بمصلى فى الجانب الشرقي. البنية فى كليتها أحيطت من ثم بسور جداري على هئية حدوة حصان. فى تاريخ لاحق، اتخذ الجدار والبنية الفوقية شكلاً مستطيلاً أشبه بالمسطبة.

بعد خمسة أو ستة أجيال، طبقاً لنموذج ريزنر الكرونولوجي وبداية بكاشتا، تغيرت مقابر الكرو، المتأثرة كثيراً بالمعتقدات المصرية، من حيث جوانب هامة. أصبحت الجثث ممددة، ومحنطة فى توابيت مصرية و، كنتيجة، اختفت عادة الدفن على عنقريب. لم يعد اتجاهها شمال - جنوب بل أصبح شرق- غرب وصاحبتها جرار يشبه الجزء الأعلى منها رأساً بشرياً (كان قدماء المصريين يحفظون فيه أحشاء الجثث المحنطة - أركامانى)، وتماثيل جنائزية (شوابتي) وتعاويذ مصرية الصنع.
 خلال الجيل اللاحق، مع بيَّا (بعانخي)، حل الهرم محل المسطبة، لكنه ظل محتفظاً بالمصلى فى طرفه الشرقي. هذا التحول كانت له أهمية حيث أضحى الهرم مستخدماً بنية فوقية لمدافن ملوك نبتة- مروي على مدى ما يزيد عن الألف سنة (شكل 8). فى الوقت نفسه، تم استبدال المقبرة الحفرة بحجرة مسردبة مع سلم مدرج طويل يقع فى الجانب الشرقي للبنية الفوقية. بدءاً من مدفن شباكا، أصبحت المقبرة مكونة من غرفتي دفن. بعد أجيال قليلة، أصبحت تضم ثلاث غرف للدفن.
شكل 8: رسم إعادة تركيب ثلاثة أهرام فى الجبانة الملكية بالبجراوية (نقلاً عن هنكل)

اختفت الى حد بعيد مقتنيات المقابر الملكية نسبة لأعمال النهب الحتمية. على كلٍ، فإن وجود موضوعات مصرية الصنع والتى وجدت فى الكرو وفى نوري يعطي بينة دالة على التأثير المصري القوي. فى مروي تتزايد أعداد المنتجات المروية المرتبطة بالموضوعات المستوردة، بما فى ذلك ذات الأصل الإغريقي الروماني. احتفظت مقبرة تانوت آمون، الذى ارتبط عهده بفقدان السيادة الكوشية على مصر، بجزء من زخارفها الملونة المرسومة بالتقاليد الفرعونية. فى مروي، زخرفت جدران المصليات بنقوش بارزة، التى تمثل واحدة من أروع ابداعات التراث الفني المروي.

هناك القليل للغاية من الوصف للمقابر غير الملكية من عصر نبتة وذلك فى الغالب لغيابها الكلي  فى النوبة السفلي، وهى المنطقة الوحيدة التى تم استكشافها بصورة منتظمة شاملة. بالطبع، بالنسبة لعصرالمملكة الحديثة، فإن هذا الجزء من وادي النيل يبدو أنه قد هجر لأسباب لازالت حتى الآن غير مؤكدة بصورة جيدة. مع ذلك، تم استكشاف العديد من الجبانات أبعد الى الجنوب، تقع أهمها فى ميسيمينيا، وصاي، وصنم، ومروي، والكدادة. اكتشاف واعد تم مؤخراً بالقرب من جبل البركل سيقدم الكثير لتوسيع دائرة معرفتنا حول هذا الموضوع. على العكس، فإن المواقع المروية متوفرة بكثرة فى النوبة السفلى، حيث تم تنقيب العديد من الجبانات، كانت من أكثرها شهرة عنيبة (كارانوج) وفى فرس. أضافت أعمال التنقيب الحديثة المزيد من المعلومات وأثرت المعطيات المتوفرة بالنسبة للمناطق الأبعد جنوباً وصولاً الى ملتقى النيلين الأبيض والأزرق، والتى كانت لدينا حتى الوقت الراهن معرفة قليلة عنها.

المرحلتان كلاهما تعكسان تنوعاً كبيراً فى أساليب المدافن والدفن وفى المجاميع الجنائزية. معنى هذا التنوع لازال بعيداً عن الفهم رغم أنه يمكن القول بأنه يعكس تأثير،  بكل تنوعاته ودرجاته اعتماداً على المناطق والفترات الزمنية، تقليدين جد مختلفين - أحدهما مستورد من مصر الفرعونية، والثاني موروث من ما قبل التاريخ. أنتج مزجهما ممارسات جنائزية مدهشة فى الأزمان المروية.

تعكس صنم Griffith,1923- وهى جبانة نبتية تقع بالقرب من المدينة العاصمة، تردد المجتمع المحلي بين النموذجين التقليدي والمصري. غياب البني الفوقية، بفعل التدمير الطبيعي وفقاً لرؤية المنقب، قد ضيقت المعطيات بالنسبة للأساس  ومحتوياته والتى تعرضت لسوء الطالع لنهب مكثف. أربعة أنواع من الأساسات يمكن تثبيتها، بما فى ذلك كهوف وغرف مسردبة من الطوب غير المحروق بمداخل سلالم؛  وحفر مستطيلة مصفوفة بطوب غير محروق؛ وحفر بسيطة مستطيلة الشكل؛  وحفر ضيقة بكوات جانبية. فى النوع الأول، كان الجثمان ممدداً وكانت المرفقات الجنائزية مصرية فى الأساس؛ وكان التحنيط، والتوابيت، والصناديق أمراً شائعاً. فى الأنواع الأخرى، كان التحنيط، والتوابيت، والصناديق أقل شيوعاً واحتوى المتاع الجنائزي، الى جانب جرار مصرية كبيرة مصنوعة بعجلة الفخاري، أواني فخارية يدوية الصنع مشابهة للمصنوعات المحلية ما قبل الفرعونية. اللافت للإنتباه أن القرابين الحيوانية، الشائعة بكثرة فى مقابر كرمة الأسبق، سجلت غياباً، لكن مدافن لثلاثة اسود وسمكتين تم العثور عليها فى الجبانة. فى معظم الحالات، كانت الهياكل تتجه شرق- غرب مع الجماجم الى الغرب. الزينة الشخصية شملت العديد من التعاويذ مصرية الصنع.

وجود مدافن ممددة ومقرفصة، جنباً الى جنب، مع مجاميع جنائزية مماثلة هو أحد السمات المميزة لهذه الجبانة. اعتقد المنقب بداية أن النوعين من المدافن قد ينتميان الى فترتين مختلفتين، إلا أن تماثل المجاميع الجنائزية والتوزيع الاستراتيجرافي للمقابر أقنعه بإنتمائهما الى عناصر من المجتمع متعاصرة ومتمصرة ومحافظة. المثال الأكثر تجلياً تمثل فى مقبرة مستطيلة تحتوى على دفن رجل وإمرأة، الرجل ممدد بينما كانت مرافقته فى وضع مقرفص، وهو ما قاد المنقب للاستنتاج بأن "المرأة... التزمت بالعادة الأصلية مع محافظة لائقة فى حين أن زوجها اتبع الأسلوب الأكثر حداثة"Griffith,1923: 88. اختلافات ذات طبيعة مماثلة توجد فى المقابر النبتية فى مروي حيث نسبت الموميات، الممددة، والمغطاة بشباك من الخرز ووضعت فى توابيت خشبية، الى حرفيين مصريين، فى حين نسبت المدافن المقرفصة على عنقريب للسكان المحليين.

المدافن المروية Geus,1990، الغائبة كلياً للأسف فى صنم، تنتمي للتقليد نفسه مثل النبتية. الأساسات متطابقة، التنوعات الوحيدة كانت جيولوجية الطابع أكثر منها ثقافية. فى النوبة، يكشف كل من تواتر المقابر الكهف والمدافن الممددة والاتجاه المفضل شرق - غرب، الرأس الى الغرب عن تأثير نماذج مصرية وملكية قوية (شكل 9).
شكل 9: مدفن كهف من العصر المرًّوي فى كرمة (نقلاً عن بونيه). يظهر المخدد آخر ثلاث هياكل دفنت (a) الوضع المنحني؛ (b) غرفة الدفن؛ (c) الجدار المحيط؛ (d) جرار مزخرفة وصحن من البرنز؛ (e) هيكل فى وضع ممدد داخل تابوت على هيئة إنسان

فى الجنوب، حافظت الأساسات على النمط ذاته. على كلٍ، سادت المدافن الممددة فى منطقة محددة فقط، حول مروي، حيث ظهرت فى فترة متأخرة لاحقة ومن ثم اختفت بنهاية الفترة. الشئ نفسه يمكن قوله بالنسبة لاتجاهها والذى يؤلف تنوعات كثيرة. فى الواقع، فى هذه المنطقة، كان تأثير مصر محدوداً زمنياً وانحصر فى أطراف المدينة العاصمة والجبانات الملكية.

حتى فى النوبة، يظهر هذا التأثير ضعفاً حيث تندر الموميات والصناديق والتوابيت. خلافاً لذلك، أعطى موقعان بينة لمدافن على عنقريب. يحتمل أن يكون المدفونون يرقدون على حصائر أو فراش كما هو الحال فى الأزمان السالفة، إلا أن البينة تظل واهنة. اتبعت المجاميع الجنائزية التقليد القديم المرتبط بالموضوعات ذات القيمة فى الاستخدام اليومي، وأدوات الزينة، والأسلحة، والجرار، خلافاً للمقابر المصرية المعاصرة لها والتى اشتملت فقط على تابوت وصندوق، وهى حقيقة تم توثيقها جيداً فى الجزء الشمالي الأقصى للنوبة، الذى كان حينها تحت السيطرة المصرية. خلال القرون الميلادية الأولى، كان هناك قدر من التطور للفخار الملون الموجود فى المدافن، برسوم ظهرت فى وقت أسبق فى أسلوب التعاويذ المصرية والذى اختفى كلياً بحلول تلك الفترة.

على أية حال، السمة الأكثر تمييزاً للجبانات المروية فى النوبة السفلى تمثلت فى بنيات مستطيلة أو مربعة من الحجر و/أو الطوب غير المحروق، والتى تغطي العديد من المقابر. كلها كانت مدمرة لدرجة أثار معها شكلها الأصلي مشاكل فى التفسير. رغم أنها قد تمثل أنواع أخرى للبنيات، فإن معظم علماء الآثار يميلون الآن لعدها بقايا أهرام صغيرة وبالتالي مؤشراً آخراً لتأثير النماذج المصرية والملكية. الى الشرق من تلك البنيات شيدت مصليات ارتبطت بها فى الغالب المسلات، وموائد القرابين، والتماثيل، التى قدر لها أن تقوم بدور فى الطقوس. تلك السمات الأصلية للجبانات المروية تمثل تحولات جديدة فى المعتقدات الجنائزية، التى كان معنى بعضها مبهماً. جسدت تماثيل الأشكال الغريبة بأجنحة مثنية طويلة وممتدة الى الوراء من الكتفين لتلامس الأرض إبداعاً محلياً. تشابهها الايقوني أدي الى مطابقتها ب "البا" فى الديانة المصرية - تسمى عادة بتماثيل با - رغم أن ذلك لم يتم تأكيده من جانب معطيات أخرى. تقدم موائد القرابين معطيات ايقونية أكثر دقة تشير، بخاصة، لتأثر قوي بالطقوس المرتبطة بعبادة ايزيس وأوزريس (شكل 10).
شكل 10: مسلة مرَّوية (a) ومائدة قرابين (b)  (نقلاً عن دنهام)

أهمية الطقوس المرتبطة بالمعتقدات الجنائزية أو الذكروية المتأخرة تجد دعماً من ملاحظات أخرى. فى صادنقا، وجدت أواني زجاجية فى السلالم. فى كارانوج، آثار أعمدة خشبية - احتمالاً سواري أعلام - وركام مزهريات صغيرة، وجدت كلها بالقرب من مدخل هابط الى مقابر كهوف بدون بنية فوقية، كل تلك تظهر أن مثل تلك الطقوس لم تك محصورة فى القبور ذات البنية الفوقية. سمة لافتة أخرى لكارانوج تمثلت فى وجود قرابين داخل البنية الفوقية.

حدثت تحولات أساسية بنهاية مملكة مروي. افترض لفترة طويلة أن تلك التحولات، الواضحة بخاصة فى المدافن، تقدم بينة دالة على انفصال ثقافي حاد عن تقاليد الماضي. مع ذلك، فإن نتائج العمل الميداني الحالي أفضت الى عدها إعادة إحياء تدريجية للعادات المحلية، والتى شجع عليها تدهور مروي، ومن ثم نهاية قيادتها السياسية.

بالطبع، فإن السمة الأساسية المشتركة لجبانات ما بعد مروي (حوالي 320- 600 م.) تمثلت فى استخدام التل الترابي بنية فوقية للمدفن، مع ظهوره الأول فى مروي والمواقع المجاورة قبل نهاية المملكة. فى الوقت ذاته، عاودت الظهور تقاليد الدفن المقرفص على عنقريب والاتجاه شمال- جنوب الى جانب العادات القديمة. كما كان الحال سابقاً فى كرمة، احتوت المدافن الملكية فى النوبة السفلى Emery,1938 على قرابين بشرية، لا تتجاوز أبداً 17 فرداً فى المقبرة الواحدة، وأحيط المدفن بمدافن غير ملكية أصغر. من جانب ثانٍ، لم يعد هناك وجود للموضوعات الحجرية والنقوش المرتبطة بالمباني الفوقية.

الاستمرارية مع المرحلة السابقة أمر مدهش بلا شك. فى المدافن الخاصة، كانت الأساسات تكاد تتطابق - فى الشمال، كانت الأنواع هى ذات التى وجدت فى الجبانة النبتية فى صنم - ولم تظهر المجاميع الجنائزية أية تنوعات أساسية، الاختلاف كان فقط فى النوعية. كالعادة، سادت الأواني الفخارية فى حين اشتملت الأخرى على الزينة الشخصية، والأسلحة، والأدوات، وأدوات الزينة.

فى الجنوب، فإن كثافة المدافن التلية عالية بصورة مذهلة. فى اقليم شندي، تم تسجيل 30.000 منها فى الضفة اليسرى للنيل فى منطقة تمتد فقط الى خمسين كيلومتر. الأكبر من بينها يغطى مدافن ملوك، والين كانوا نظراء لملوك الشمال الذين نقبت مدافنهم فى بلانا وقسطل Lenoble,1989.

مواقع الدفن الأكثر إثارة هى بالطبع الجبانتان الثنائيتان فى بلانا وقسطل، المواجهتان لبعضهما على ضفتي النيل فى النوبة السفلى، حيث تغطي تلال ضخمة المدافن الملكية- الأكبر من بينها يبلغ قطره 77 متراً وارتفاعه 13 متراً- وقد نظر إليها لفترة طويلة بوصفها تلال طبيعية، وتفادت بالتالي عمليات النهب. هذا ما يفسر لماذا وفر التنقيب فيها مجموعة موضوعات رائعة، معظمها يعود تاريخه لمصر البيزنطية. كما أشار آدمز Adams,1977: 405: "مثل مقبرة توت-عنخ-آمون فى مصر التى سلمت بالصدفة، فإنها تعطينا مفتاحاً- تقريباً الوحيد الذى نمتلكه- الى الثروة الأكبر غالباً التى رافقت مدافن الأزمان الأسبق والأكثر ازدهاراً." وصف رائع لاكتشافها والتنقيب فيها تم نشره من قبل ايمري، الذى يصف المدافن كالتالي Emery,1938: 25- 26 :
"ممر منحدر قطع فى الترسب الطيني الصلب يقود منحدراً الى حفرة ضخمة وسلسلة من الغرف المشيدة بالطوب فى هذه الحفرة مع صالة صغيرة مفتوحة والتى ينفتح عليها الممر المنحدر. فى بعض الحالات تم تشييد كل غرفة من الطوب فى حفر منفصلة وترتبط كل الغرف بممرات قصيرة حفرت كأنفاق فى الترسب الطيني. سقف كل غرفة مسردب كالبرميل، وفى المدافن الأكبر سدت الأبواب بعتبات حجرية.....
خصصت غرفة واحدة عادة لجرار الخمر وكؤوس الشراب، وكرست غرفة أخرى لمعدات الطهي المصنوعة من البرنز والفضة، والمصابيح، والمجوهرات، والأسلحة، والأدوات. فى المدفن 80 فى بلانا، على سبيل المثال، وجدنا حراب وفؤوس سوياً مع أدوات لتصنيع المعادن، وقوالب لصب الحديد. فى المدافن الأكبر خصصت غرفة لدفن الملكة، التى بلا شك قد قدمت قرباناً، مع خادماتها الأرقاء. لكن فى المدافن الأصغر وضعت الملكة المدفونة قرباناً بجوار بعلها.
وضع الملك فى غرفة الدفن الأقرب الى المدخل الرئيس للمدفن، وواضح أن ادخاله كان بمثابة الاجراء الختامي قبل اغلاق المدفن. وضع جثمانه فى داخل تابوت خشبي يشبه غطاءه هيئة إنسان، ووضعت تحت التابوت أواني برنزية وفضية لاستخدامه المباشر. يلبس كامل حليته الملكية وتترك أسلحته لحمايته متكئة على حافة التابوت، وفى مقدمة التابوت ترقد أجساد القرابين من الأرقاء الذكور وجسد ثور.  كثيراً ما يوضع مقعد قابل للطي بالقرب من التابوت.
من ثم يغلق باب المدفن بالطوب والحجر وتقدم جياد صاحب المدفن، وجماله، وحميره، وكلابه، سوياً مع رعاتها واحتمالاً الجنود قرابيناً فى الفناء والممر المنحدر. دفنت الحيوانات وهى تلبس عدتها وسروجها، وتلبس الكلاب أحياناً أطواقاً ورسناً.
واجه القرابين البشر موتهم إما بجز الرقبة أو عن طريق الشنق، أما الحيوانات فعن طريق الضرب بالفأس....
أخيراً تم ردم الحفرة والممر المنحدر ويقام من ثم تشييد كوم ترابي ضخم فوق المدفن؛ فى العديد من الحالات تدفن قرابين تتمثل فى موضوعات مثل الأسلحة، والمجوهرات، والمزهريات وما الى ذلك فى التل الترابي. وغطيت معظم التلال فى بلانا بطبقة من الحصي."  

الوصف السابق، الغني بتفاصيل الثروة وتعقد المدافن فى كلا الموقعين، لا يحتاج الى تعقيب. تمثل تلك المدافن النقطة النهائية لجذور التقاليد المحلية والمستوردة قبل زوالها فى النوبة بفترة وجيزة بعد وصول المسيحية.

بالطبع مع تنصير النوبة شهدت المقابر تحولاً أساسياً. لم تعد المدافن تجد الإهتمام السابق، مع احتواء الأساس فقط على الشخص المتوفي المحمي من حين لآخر بكفن أو تابوت، لكن مواقع الدفن تعلم عادة بنوع من البناء الفوقي. تحول مدهش هو الاختفاء النهائي للجبانات الملكية و، بالتالي، مدافن ملكية كرمز للدولة. ينطبق الشئ نفسه بالنسبة للعصر الإسلامي. مع ذلك، تحمل الجبانات النوبية تأثير بعض التقاليد ما قبل المسيحية: يدفن المتوفى على عنقريب؛ وحماية الحفرة بتل صغير مستطيل أو بيضاوي مغطى بحصي بيضاء؛ ووضع آنية فى أحد جوانب الكوم، وحجر أو طوبة فى رأس القبر ومؤخرته، وتثبيت أعلام صغيرة فى حالات بالأرض. من جانب ثانٍ، فإن بعض المقابر المهمة تغطى بقبة والتى يمكن أن تكون قد تأصلت من الاهرام المروية. ويمكن أن يكون جريد النخيل الذى تجلبه النساء فى موسم الأعياد الى المقابر آثاراً لعادة قديمة مفقودة آثارياً.

هوامـش
1. أود انتهاز هذه الفرصة للتعبير عن شكري للمدام ديانا بولين المسؤلة عن النص الإنجليزي لهذه الورقة.
2. لتيسير المسألة، استخدم المصطلحات لوصف وضع المتوفى كونه محصوراً "مقرفصاً" و "ممدداً".
3. المملكة القديمة (حوالي 2635- 2140)، المملكة المتوسطة (حوالي 2022- 1650)، المرحلة الانتقاليةالثانية (حوالي 1650- 1539)، الأسرة الثامنة عشرة (حوالي 1539- 1069) تشير الى كرونولوجية مصر الفرعونية.
4. تأثير محتمل آخر يمكن الكشف عنه فى مدافن ما يسمى بثقافة المقابر البان ، والتى تم التعرف عليها بفعل اكتشاف القليل من الجبانات فى مصر العليا والنوبة السفلى. رغم أنها من التقليد نفسه، فإنها لم تناقش فى هذه الورقة لأسباب عدم دقة منشأها. يؤرخ بيتاك (Bietak,1987) هذه الثقافة "من أيام المملكة الوسطى المتقدمة والمرحلة الانتقالية الثانية"، ووصف المقابر كالتالي: " فى حالات... تظهر المقابر بقايا بنية فوقية حجرية مفككة. توضع الجثث فى مهوى دائري محفور فى  حصباء الصحراء، على حصائر فى وضع مقرفص على الجانب الأيمن، إما كلياً باتجاه شمال- جنوب مع الرأس الى الشمال، متجهة غرباً، أو باتجاه شرق- غرب، مع الرأس فى الغرب متجهة جنوباً... حميت الجثمان بطبقة من الألواح الحجريةز وضعت القرابين مع الجثمان فى المهوى وأيضاً فى حفر صغيرة منفصلة على السطح، حيث وجدت بينها فى حالات كثيرة جماجم ثيران وغزلان وأغنام ملونة بنقاط حمراء."
* المقبرة تم تفكيكها ونقلها، لكونها أضحت عرضة للغرق بفعل ارتفاع منسوب النيل الناتج عن تشييد خزان أسوان(السد العالي)، الى متحف السودان القومي بالخرطوم حيث أعيد تشييدها فى حديقة المتحف سوياً مع معبد بوهين ومعبدي سمنة شرق وسمنة غرب والتى تم تفكيكها ونقلها هى الأخرى. عمل رائع فنياً ومجهد يستحق التقدير قام به عمال ترميم سودانيين تابعين لمصلحة الآثار بإشراف المهندس فردريك هنكل المعار حينها لمصلحة الآثار السودانية من قبل حكومة جمهورية ألمانيا الشرقية.(تأمل أركامانى أن تسمح الظروف بالعودة الى السودان والرجوع الى ملفاتهم بالمصلحة، لتحصص مقالة عنهم وعن ما قدموه لحماية تراث الأمة السودانية). [أركامانى].

المراجع

Adams,W,Y.,1977, Nubia, Corridor to Africa, London
Arkell,A.J.,1949, Early Khartoum. An Account of the Excavation of an Occupation Site carried out by the Sudan Government Antiquities Service in 1944-5, London: Oxford University Press
Bietak,M.,1968, Studien zur Chronologie der Nubischen C-Gruppe, Ein Beitrag zur Frühgeschichte Unternubiens zwischen 2200 und 1500 vor Chr. (Berichte des Österreischen National Komitees der UNESCO- Aktion für die Rettung der Nubischen Altertümer, V), Wien
Bietak,M.,1987, 'The C-Group and the Pan-Grave Culture in Nubia', in Tomas Hägg (ed.), Nubian Culture, Past and Present, Main Papers Presented at the Sixth International Conference for Nubian Studies in Uppsala, 11-16 August, 1986, 113-128, Stockholm
Bonnet,Ch. et al.1990, Kerma, royaume de Nubie, Genève
Caneva,I.,1983, 'Excavating Saggai 1', in Pottery Using Gatherers and Hunters at Saggai (Sudan): Preconditions for Food Production, Estratto dallarivista "Origini", Preistoria e Protostoria delle Civiltà antiche, vol.XII, 7-29
Clark,J.D.,1989, 'Shabona: an Early Kharrtoum settlement on the White Nile', in Krzyzaniak,L & Kobusiewicz,M (eds,), Late Prehistory of the Nile Basin and the Sahara, 387-410, Poznan
Dunham,D.,1950, The Royal Cemeteries of Kush, vol.I, El Kurru, Cambridge, Mass
Emery,W.B.,1938, The Royal Tombs of Ballana and Qustul, Mission Archéologique de Nubie 1929-1934, SAE, Le Caire
Geus,F.,1984, Rescuing Sudan Ancient Cultures. French Unit of the Directorate General of Antiquities and National Museums of the Sudan, Khartoum
Geus,F.,1990, 'Enquête sur les pratiques et countumes funéraires méroïtique. La contribution des cimetières non royaux. Approche préliminaire', Revue d'Egyptologie 40
Griffith,F.L.,1923, 'Oxford Excavations in Nubia, XVIII-XXVI, The Cemeter of Sanam', LAAA 10, 73-171
Hutington,R & Metcalf,P.,1979, Celebrations of Death, Cambridge University Press
Krzyzaniak,L.,1984, 'The Neolithic habitation at Kadero (Central Sudan)' in Krzyzaniak,L & Kobusiewicz,M (eds.), Origin and Early Development of Food Producing Cultures in North-Eastern Africa, 309-315, Poznan
Lecointe,Y.,1987, 'Le site néolithique d'El Ghaba: deux années d'activité (1985-1986)', in Archéologie du Nil Moyen,2, 69-87
Lenoble,P.,1989, '"A New Type of Mound-Grave" (Continued): le tumulus à  enceinte d'Umm Makharoqa, près d'El Hobagi (A M S NE-36-0/7-0-3)', Archéologie du Nil Moyen,3, 93-120
Nordström,H.A.,1972, Neolithic and A-Group Sites, The Scandinavian Joint Expedition to Sudanese Nubia,3, Stockholm
Reinold,J.,1987, 'Les Fouilles pré- et proto-historiques de la Section Française de la Direction des Antiquités du Soudan; les campagnes 1984-85 et 1985-86', Archéologie du Nil Moyen,2, 17-67
Shinnie,P.L.,1967, Meroe, a Civilisation of the Sudan, London
Wendorf,F.,1968a, 'Late Paleolithic Sites in Egyptian Nubia', in Wendorf,F (ed.), The Prehistory of Nubia, 791-953, Dallas
Wendorf,F.,1968b, 'A Nubian Final Paleolithic Graveyard near Jebel Sahaba, Sudan', in The Prehistory of Nubia,791-953, Dallas



 
أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســــودانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق