الأربعاء، 15 مارس 2017

علم الآثار والتاريخ : إسهامهما في فهمنا للتاريخ النوبي القروسطي

أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســـودانية
مجلة الآثار السودانية/ العدد السادس/ أغسطس 2005




علم الآثار والتاريخ : إسهامهما في فهمنا للتاريخ النوبي القروسطي
ديريك ويلسبي

ترجمة أسامة عبدالرحمن النور


  

التعريفات المختلفة للنوبة معروفة جيداً لجمهور الحاضرين. مع أن النوبة في الشمال يجوز النظر إليها بوصفها متطابقة مع الحدود الأقصى شمالاً للممالك الثلاث التى ازدهرت في الفترة "المسيحية"، فإن الحد الجنوبي لبحثي لا بدَّ أن يمتد أبعد إلى الجنوب مما يصطلح عادة بتسميته النوبة. انه لا بدَّ أن يمتد إلى الحدود الجنوبية لمملكة علوة، لكننا لا زلنا غير متأكدين أين تقع تلك الحدود الجنوبية تحديداً. كانت، بالتأكيد نوعاً ما، أكثر من ثلاثمائة كيلومتر إلى الجنوب من الخرطوم كما يدل على ذلك وجود كنيسة في جبل سقدي Crawford and Addison,1951 ارتبطت بشقوف فخار من النمط الفخاري النموذجي المسمى بـ العلوي التى عثر عليها في موقع حاضرة المملكة في سوبا. يمكن، على كلٍ، أن تكون الحدود أبعد إلى الجنوب. في الشمال، تمتد النوبة قليلاً فيما وراء ضفتي النيل ونادراً ما يكون امتدادها أكثر من عدة كيلو مترات عرضاً. في النوبة الجنوبية، حيث يجعل معدل هطول الأمطار الأعلى الحياة البدوية بل حتى الإقامة المستقرة بعيداً عن النهر أمراً ممكناً، فإن الحدود الشرقية والغربية للإقليم الثقافي النوبي، الحدود التى خضعت لسيطرة الملك المقيم في سوبا، وحدود النوبة التى أنا بصدد مناقشتها هنا، غير محددة بدقة. بالتالي ليس من الممكن في الوقت الراهن تعريف المنطقة الجغرافية التى يغطيها مصطلح النوبة "المسيحية".

مصطلح "النوبة المسيحية" في حد ذاته بعيد عن الكمال. يبدو أنه يدمج الأيدولوجيا الدينية مع المنطقة الجغرافية واللغوية ومع النظام السياسي. التاريخ النوبي هو تواصل، وتمثل عبادة إله المسيحيين من جانب سكان تلك المنطقة حلقة ليس فحسب في تاريخ النوبة بل في تاريخ ممالك النوبة المسيحية الثلاث أيضاً وهى موضوع هذه الورقة الفعلي. واضح من مؤرخي الكنيسة البيزنطية في منتصف القرن السادس أن نظاماً سياسياً مستقراً كان موجوداً على امتداد النيل الأوسط ممثل في ثلاث ممالك مستقلة قبل التبني الرسمي للمسيحية من قبل حكامها. ليست هناك مؤشرات لعداء بينها، تحول طريق لونجينوس إلى الصحراء الشرقية أثناء رحلته من نوباتيا إلى علوة قد يعكس عداءً دينياً أكثر منه سياسياً. أيضاً فإن نشاطات لونجينوس في علوة قيل بأنها نتيجة التماس خاص من ملك علوة إلى ملك نوباتيا، مما يشير إلى صلات صداقة بين شمال النوبة وجنوبها. قد يتفهم المرء سبب تشكك ملك المقرة في الصداقة بين جاريه الشمالي والجنوبي، وهما الاثنان معاديان له.

بفترة سابقة لزوال المسيحية في النيل الأوسط فإن تعريف، على الأقل مملكة المقرة، بوصفها مملكة مسيحية ليس في محله. يفضل بيل آدمز تسمية فترة تفكك المملكة، بالفترة الإقطاعية، لا بالمسيحية ولا بالإسلامية. منذ العقد الأول أو الثاني من القرن الرابع عشر جلس ملك مسلم على عرش دنقلا العجوز Adams,1977:528 .

أسباب انهيار مروي، والذي يؤرخ تقليدياً بمنتصف القرن الميلادي الرابع، وظهور الممالك النوبية على أنقاضها لا يمكن في الوقت الحالي توفيرها من واقع علم الآثار (انظر الآن Török, 1988, pp. 209 suiv.)، لكن ذلك لا يعني القول بأن علم الآثار لا يسهم في فهمنا لتاريخ هذه المرحلة الصعبة للغاية. أعمال التنقيب التى نفذها ايمري وكيروان في بلانا وقسطل (1938) أشارت بوضوح إلى أن مركزاً جديداً للسلطة السياسية كان موجوداً في النوبة السفلى، في منطقة كانت نادراً ما حظيت حتى ذلك الحين بقدر من الاستقلال، منطقة ما كانت مطلقاً قاعدة لسلطة نظام، دوماً كانت محكومة إما من قبل مصر في الشمال أو من قبل الكوشيين من نبتة أو مروي بعيداً في الجنوب.

أماط البحث الآثاري اللثام عن مدافن بلانا وقسطل بمقتنياتها الجنائزية الغنية. وفرَّ ذلك البحث بينة دالة على السلطة القوية المؤقتة للسكان "الأصليين"، أناس سمحت لهم هيبتهم بعد الممات أن يودعوا الأحياء معهم ليرافقوهم إلى العالم الآخر. تلك المدافن لا بدَّ وأن تكون من بين أنواع تلك، على الأقل، المدافن الغامضة التى تحتوي على رفات ملوك وملكات مع تيجانهم باقية في مكانها على رؤوسهم. مكننا ذلك من القول بحقيقة وجود سلطة سياسية أساسية في المنطقة. لا يساعد ذلك بالطبع في الإشارة إلى الكيفية التى ظهرت بها تلك السلطة إلى الوجود وبها تدعمت ولماذا تطورت في تلك المنطقة تحديداً.

لا يشير العثور على العديد من الموضوعات البيزنطية والمصرية الصنع إلى أن الملوك المقبورين في بلانا وقسطل تمتعوا بدعم من الإمبراطورية الواقعة إلى الشمال، دعم احتمالاً مالي ومعنوي (انظر Kirwan, 1987: 124­127) وقد يقود ذلك بدرجة ما إلى تفسير التناقض الظاهري بين التوق إلى الإبقاء على "التقاليد الملكية لكوش القديمة مع الابتعاد عن أو قمع كل شئ يرتبط بالتقاليد الكهنوتية" Adams, 1977: 415. مع ذلك فإن ملوك النوبة السفلى المقبورين في بلانا وقسطل وإن لم يتحولوا بعد في تلك الفترة إلى المسيحية، فإنهم عوملوا بتسامح كبير من قبل البيزنطيين. سُمح للنوبيين بالوصول إلى معبد ايزيس في فيلة، وقد استثني هذا المعبد بطريقة فريدة من التطبيق الحازم لمرسوم ثيودوسيوس الأول (390 م) الذى أمر باغلاق كافة المعابد الوثنية على امتداد الإمبراطورية. فقط في عهد جوستنيان، في عشية الدخول الرسمي للمسيحية إلى المنطقة، تم الإغلاق النهائي للمعبد. كون أن إغلاق المعبد فيما يبدو لم يواجه بمقاومة، وهو أمر يتناقض مع وضع الأشياء في القرن الميلادي الخامس، يحتمل أن يشير إلى أن عبادة ايزيس كانت أصلاً في حالة تراجع نهائي.

كان ريزنر، وهو عالم الآثار الأول الذى ركب تواتراً ثقافياً بالنسبة للنوبة يعتمد على المادة الأثرية، تواتر لازال يحتفظ بتماسكه اليوم، قد أجبر على تسمية المركب الثقافي للفترة ما بعد المرَّوية المباشرة، بـ المجموعة المجهولة، ما يسلط الضوء على الطبيعة "ما قبل التاريخية" لبينتا بالنسبة للثقافة رغم أنها تقع في منطقة تم تضمينها في الكتابات التاريخية منذ أزمان هيرودوت، وألفيات سابقة لقدماء المصريين.

الأعمال التى نفذت مؤخراً عن طريق زملائنا الفرنسيين في الهوبجي، متابعة لأعمال تنقيب آثاري صغيرة محدودة سبق أن أجراها نيفيل شيتيك، يبدو أنها كشفت عن نظير نوبي جنوبي لجبانات بلانا وقسطل. كما هو الحال في الشمال فإن موقع الإقامة المرتبط بالجبانات لم يتم الكشف عنه، لكننا على الأقل نمتلك لمحة عن الحكام لما كان قلب الإمبراطورية المرَّوية. اختيار موقع الجبانة في بلانا/ قسطل وفي الهوبجي على بعد مسافة من المراكز الأقدم للسلطة السياسية، في الشمال في قصر إبريم حيث أقام البستوس (الحكام المحليين) المرَّويين وفي الجنوب في مروي نفسها، يشير إلى أن الحكام الجدد للنوبة، والتي يمكن أن تكون أكثر من اثنتين، لم تك لهم صلة بالنظام السياسي القديم ولم يكونوا بحاجة إلى المرتبة التى تنال شرعيتها بالتواجد في المراكز القديمة للسلطة.

جبانات أساسية أخرى، احتمالاً أماكن دفن لمشائخ مستقلين إلى حد ما تم الكشف عنها في قنيال وفركة (انظر Török, 1988: 71) في حين أن مدافن، احتمالاً لأعضاء من الهيراركية الحاكمة، لكنهم أقل مرتبة، كشف عنها في تنقاسي وتبو. في تنقاسي وتبو عثر على مدافن ضخمة، لكن المرفقات الجنائزية الفقيرة تشير إلى أن المقبورين في تلك المدافن لم يكونوا في الطبقة نفسها مثل ملوك الفترة ما بعد المرَّوية. تشير المرفقات الجنائزية بلا شك إلى إمكانية أن تكون تنقاسي ارتبطت بالإقليم الثقافي الجنوب نوبي، في حين ارتبطت تبو بالإقليم الثقافي الشمال نوبي.

رغم أن الجبانات الملكية ما بعد المرَّوية تؤرخ بالفترة بين نهاية الإمبراطورية المرَّوية والذكر الأول للممالك النوبية في المصادر التاريخية، وكيف ترتبط بالممالك الثلاث نوباتيا، والمقرة، وعلوة، المشهودة للمرة الأولى في منتصف القرن الميلادي السادس، فإن مسألة ربط ذلك بانهيار الإمبراطورية المرَّوية في القرن الميلادي الرابع يبقى أمراً غامضاً. الممالك النوبية الثلاث كان قد تم التعرف عليها في الماضي عن طريق بينة تحولها إلى المسيحية، وهذه البينة الخاصة بالتحول إلى المسيحية هي التى تؤخذ بصورة عامة بوصفها السمة المميزة للسجل الآثاري للممالك النوبية. هذا التناول سينحى لحجب البينة الدالة على الممالك فيما قبل وصول المسيحية.

الغياب الظاهري للاستمرارية بين النوبة ما بعد المرَّوية والنوبة تحت ملوك نوباتيا، والمقرة، وعلوة قد يكون هو الآخر اختلاق مصطنع. هاجس علماء الآثار لتعيين النشاط الإنساني عبر الزمن لتمييز المراحل لا يسمح لنا بالتعرف على عملية التغير المتدرجة للغاية، لكنه يخدم لتسليط الضوء على الاختلافات بين الوضع السابق واللاحق للتغير.

أمامنا هنا إشكالية كلاسيكية في علم الآثار وإسهام علم الآثار في التاريخ. إلى أي مدى يمكن للتقلبات السياسية، والتغيرات التى تهتم بها مصادرنا التاريخية عادة، أن تجد انعكاساً لها في السجل الآثاري. تلك التغيرات في الغالب المحتمل أن تؤثر مباشرة على مجموعة صغيرة نسبياً من النخب الاجتماعية، بصورة خاصة نخب المجتمع الآخذ في الكسوف والنخب الجديدة للمجموعة السياسية الصاعدة. المعطيات الآثارية هي، في مسار الأحداث الطبيعي، متحيزة إحصائياً باتجاه استعادة الدنيوي أكثر من البنيات الاستثنائية والنادرة الضرورية والأدوات الصنعية المرتبطة مباشرة بالمجموعات العليا للمجتمع المنشغلة بنشاط في النظام السياسي الجديد.

إلى حد ما فإن طبيعة البحث الآثاري في النوبة، عندما يكون قادراً على إتباع طريقه الخاص، أكثر من كونه موجهاً بفعل قوى إنقاذية ولدتها خزانات أسوان، اتجه إلى التركيز على الصروح الخاصة والضخمة للنوبة في كل المراحل. أعمال التنقيب في الصروح المصرية الأساسية، والأهرام النبتية والمرَّوية، والمدينة الملكية في مرَّوي، والمركبات الأساسية في المصورات الصفراء، والنقعة، وودبانقا، تبعتها أعمال تنقيب في كنائس فرس وكثدرائيتها، وفي كنائس دنقلا العجوز، وكنائس سوبا ومبانيها الصروحية.

ما كانت تلك المواقع فحسب ذات أهمية أساسية سياسية و/أو دينية في أزمانها، بل كانت مواقع في الغالب ما توفر لنا معلومات يمكننا عن طريقها كتابة التاريخ السياسي. إعادة تركيب قائمة أسماء ملوك نبتة ومروي مثال نموذجي لاستخدام المعطيات المشتقة من علم الآثار، سوياً مع التقنية الآثارية المعروفة لعالم آثار ما قبل التاريخ، والخاصة بالتصنيف، التى استخدمت لتشكيل إطار تاريخي. على كل، لم نكن محظوظين بالنسبة للفترة القروسطية بحيث نتمكن من إنتاج tour de force مماثلة.

تبشر المسيحية مثلها مثل بقية الديانات الكبرى، القديمة والحديثة على حد سواء، بحياة أخرى بعد الممات، لكنها تختلف بشكل واضح عن الديانة المصرية، وديانة المرويين، وديانة الملوك المقبورين في بلانا وقسطل، من حيث أنها تفترض أنه، على الأقل نظرياً، أن الجميع سيكونون في وضع واحد في العالم الآخر وأن ممتلكات الفرد من الثروة الدنيوية ووضعيته لن تكون ضرورية. بالتالي ما كانت هناك ضرورة لقبر الممتلكات مع الميت ولا لتوفير المؤن للرحلة إلى العالم الآخر، كما وليس من التفاخر والتباهي بمهارات الفرد الحياتية. بالتالي فإن المدافن المسيحية تحتوي عادة على القليل أو على لا شئ فيما يتعلق بالأدوات الصنعية (انظر Zurawski, 1986: 414) كما لا توجد النقوش التفاخرية التى زينت المدافن الأقدم. أيضاً يبدو أن المدافن في النوبة لم توضع في صروح ضخمة، فأهرام المرَّويين والتلال الجنائزية الضخمة التى ميزت فترة ما بعد مرَّوي لم تترك خلفاً يماثلها لملوك النوبة الذين اعتنقوا العقيدة المسيحية. هناك بعض الصروح الخاصة، فكما في فرس حيث كان مدفن الأسقف يوهانس على هيئة بنية شبه مكعبة متوجة بقبة صغيرة، وفي سوبا حيث تم العثور على بنية دائرية من الطوب الأحمر بلغ قطرها أربعة أمتار، لكن تلك كانت استثناءات ولا يجوز مقارنتها بالصروح العظيمة المميزة للفترات الأسبق. في فرس احتوي المدفن المشار إليه بعاليه رفاة شخص ذو مكانة اكليركية رفيعة والشئ نفسه يمكن أن يكون بالنسبة لمبنى سوبا. بالنسبة لحكام النوبة القروسطية، على كلٍ، لم يتم العثور على مدفن يشير إلى أن مقابرهم وجدت قدراً من التميز الخاص. شاهد القبر المكتشف مؤخراً والخاص بملك علوة داؤود ، الذى حكم من 999 حتى 1015 م.، أي في أوج ازدهار المملكة النوبية الجنوبية، لا يعطي إشارة أو تلميح إلى أنه كان ملكاً على مملكة قوية وغنية بالقدر الذى وصفه بها الكتاب العرب.

المعطيات الآثارية وتلك التاريخية عادة ما تكون في طريقين متوازيين وأن إقامة صلات بين هذين الفرعين للمعرفة تمثل المهام الأساسية لعالم الآثار التاريخية. الإشكالية الأكبر التى تواجه عالم آثار الممالك النوبية في هذه المهمة هو غياب كرونولوجيا مطلقة.

القليل من الأدوات الصنعية التى ترجع لهذه الفترة في النوبة مؤرخة بدقة، لكنها نادرة ومستوردة. في ثقافات متقدمة أخرى عادة ما تكون النقود هي الأكثر وفرة وتمثل صنفاً له أهميته في هذا الجانب. حتى عندما لا تكون النقود مؤرخة بسنة معينة فإنه يمكن حصرها في إطار زمني ضيق لا يتجاوز بضع من السنوات، رغم أن ذلك ليس هو الحال دائماً (لاحظ إشكاليات النميات التى تواجه علماء آثار أكسوم Munro­Hay, 1989: 330). غياب أية نقود محلية يضع عالم آثار النوبة في ظرف معوق للغاية. النقود المكتشفة في المنطقة شحيحة إلى درجة لا تكون فيها ذات فائدة. في أجزاء أخرى من العالم حيث يعثر على النقود فإن وفرتها هي التى تجعلها مؤشراً كرونولوجياً مفيداً. في حدود مملكة علوة لم يتم الكشف عن قطعة نقود واحدة في محتوي آثاري.

تعطى شواهد القبور في حالات عديدة تاريخ الوفاة، وعندما تكون لشخصيات سياسية أو دينية مرموقة فإنها تكون ذات فائدة لنا في سعينا لكتابة التاريخ، لكنها خلاف ذلك تشتمل على القليل المفيد. ليست هناك عادة أية إشارة إلى أين عاش المتوفي، وماذا كانت مهنته/مهنتها، أو حتى كم كان عمره/عمرها. إذا وجدت تلك الشواهد داخل كنيسة فإنها تعطي تاريخاً ختامياً لبناء المبنى الذى تؤلف جزءاً منه إن لم يك قد أعيد استخدامها، لكن لا أكثر من ذلك.

نقوش البناء نادرة للغاية. هناك مثالان معروفان في فرس، بنيا في جدار مبنى فخم بالقرب من الكثدرائية. أنهما سجلان لتأسيس كنيسة في العام الحادي عشر لعهد مركوريوس، عندما كان ماركوس رئيساً للأبرشية، في العام 423 من عصر دوكليتيان، من قبل الأسقف باخوراس باولوس.

رغم أن السجلين كانا واضحين في تسجيل بناء "هذا المكان المقدس تأسس بوصفه جديراً بإقامة الشعائر فيه للكنيسة الكاثوليكية والبابوية" فإنهما لم يبنيا في جدار الكثدرائية. بداية افترض بأن السجلين ارتبطا ببناء الكثدرائية، لكن لوضعهما في مبنى مجاور فإن هذا التفسير يظل عرضة للنقاش. على كلٍ، فإن بينة أخرى الآن تظهر بصورة حاسمة بأن الكثدرائية التى نقبتها البعثة البولندية في الستينيات من القرن المنصرم كان قد شيدها باولوس (معلومة شخصية من الدكتور جودليفسكي)، وكانت احتمالاً المبنى المشار إليه في السجلين. يظل غير واضح السبب وراء عدم بنائهما في مبنى الكثدرائية.

يجئ من فرس أيضاً نقش التأسيس من الكنيسة في المنحدر الجنوبي للكوم، وهو نقش محفور في عتبة باب باللغة القبطية (ibid.: 111). يعطي النقش اسم الملك الحاكم وسنوات حكمه، واسمي والديه، واسم الأسقف الذى كان مسئولاً عن البناء، مع ذكر تاريخ البناء، 646 من عصر دوكليتيان، أي في عام 930 م. آخر يؤرخ بنهاية الفترة المسيحية عندما نصب نقش في عام 1317 م. فيما يمكن أن يكون صالة التاج (غرفة الحضور) لملوك دنقلا عندما حولت إلى مسجد.

يحرمنا شح نقوش البناء من أحد أكثر المصادر موثوقية لتأريخ صروح أساسية. كما ويحرمنا من الربط بين شخصيات تاريخية مشهودة ومؤرخة، والمباني التى شيدوها، أو التى شيدت في عهدهم، والأدوات الصنعية المستخدمة في عمليات التشييد، وأهمية الأدوات الصنعية المخزنة تحت أرضية المباني.

الأداة الصنعية الوحيدة المؤرخة من أعمال التنقيب الأخيرة في سوبا، خلافاً لشاهد القبر المذكور آنفاً، ووزن زجاجي للخليفة الفاطمي الزاهر والمؤرخ بالفترة 1020-35 Allason Jones, 1991: 143، والذي كان عمره احتمالاً أكثر من 200 سنة عندما دفن وسط النفايات التى استخدمت لردم غرف الطابق الأرضي للمبنى الفخم المشيد من الطوب الأخضر الذى نقب في عام 1986. قيمته، بالتالي فإن قيمته محدودة للغاية من وجهة نظر كرونولوجية.

كما أشار آدمز في تلخيصه للجلسة حول "المسيحية النوبية: الشمال والجنوب"، في أعمال مؤتمر أوبسالا، أن البحث عن كرونولوجيا مطلقة هو ما يميز تناول المؤرخ لمجتمع عن تناول المتخصص في ما قبل التاريخ أو في تاريخ الفن. بدون كرونولوجيا ثابتة ومفصلة يستحيل ترتيب الأحداث وفق تواترها الصحيح. المشكلة قد تنشأ في كافة مستويات عملية البحث الآثاري. حتى في إطار مبنى منفرد، إذ لم توجد علاقة ستراتيجرافية بين غرفتين متجاورتين على سبيل المثال، كثيراً ما يستحيل تثبيت تزامن النشاطات أو عدمه، التى توجد البينة لها في منطقتين متميزتين. عندما يتم تنقيب جزأين من الموقع نفسه، كما في سوبا حيث تقع أعمال التنقيب الجارية في التل B على بعد كيلو متر عن الكنيسة في الكوم C والتي نقبها بيتر شيني، فإن علاقات ستراتيجرافية مباشرة غير محتملة وتزامن النشاطات التى يتم العثور عليها في السجل الآثاري لا يمكن إثباتها. في المستوى الأعلى اللاحق فإن محاولات تثبيت العلاقة بين الأحداث في مواقع مختلفة خاصة بالمملكة نفسها أو عبر الحدود السياسية تمثل مهمة مستحيلة في معظم الحالات. تلك هي إشكاليات آثارية يواجهها علماء الآثار في مختلف المراحل والثقافات المدروسة، صعوبات ربط المعطيات الآثارية في إطار تاريخي محدد النوع.

هناك استثناءات حيث تؤثر أحداث هامة بالطريقة نفسها على مناطق محلية مختلفة وتسمح لنا برؤية علاقة كرونولوجية حقيقية بين المناطق المختلفة. فالحريق الذى دمر النهاية الغربية للمبنى الفخم في الكوم B في سوبا يتيح لنا التعرف على لحظة الكارثة نفسها على امتداد مجمل الـ 400 متر مربع للمبنى الذى دمر في تلك الفترة. يمكن للمرء أن يتصور سيناريوهات حيث تترك الأحداث بينة في السجل الآثاري على امتداد مناطق واسعة من الموقع، على سبيل المثال، بقايا الدمار الأساسي الذى نتج عن فيضان هائل، كما وجدت في مينارتي Adams, 1965: 149 ، وكما يمكن الكشف عنه خلال أعمال تنقيب مستقبلية في إقليم دنقلا في مستويات ترتبط بالفيضان الهائل لعام 1988، أو الدمار بفعل حريق سواء اندلع عفوياً أو بفعل نشاطات عدو محلي، أو بدرجة أكبر ببينة عدوان خارجي. في الحالة الراهنة لمعارفنا فإن نشاطات ذات حجم كبير غير معروفة آثارياً بوصفها تركت بصماتها على الممالك النوبية رغم أننا يمكن أن نتوقع الكشف عن بينة للفتح العربي الذى اجتاح  النوبة جنوباً حتى دنقلا العجوز في 642 و 651-2. على كل فإن وصف "التدمير عن طريق عدو" يظل في حد ذاته مسألة ليست بالسهلة.

لم تسجل أحداث منفردة أخرى في المصادر التاريخية والتي يمكن أن تكون قد خلفت طبعة واضحة في السجل الآثاري. كانت هناك غزوات عسكرية أخرى شنت على النوبة، لكن حجم تلك الغزوات سيجعل التعرف عليها صعباً. كما ولا يظهر وقوع الممالك النوبية تحت سيف حدث مزلزل، بل أنه قد تم التغلغل فيها تدريجياً على مدى مساحة زمنية معتبرة من الشمال، والشرق، والجنوب بحيث أنه قد يكون من الصعب حتى بالنسبة للملاحظ المعاصر التأكد من حقيقة متى انتهى وجود الممالك النوبية. وفق كل الحسابات فقد أخذت الممالك في التفكك تدريجياً إلى أجزاء، وانكسرت السلطة المركزية مما أتاح نشوء زعماء صغار سيطروا على مناطق محدودة. تفكك الممالك النوبية في الفترة من القرن الثاني عشر حتى السادس عشر يمكن أن يخدم نموذجاً لانهيار الدولة المرَّوية قبل ألف عام سبقت. 

تبدو التقنيات العلمية للتأريخ من الوهلة الأولى وكأنها توفر حلاً لبعض الإشكاليات الخاصة بسد الفجوة بين المعطيات الآثارية والتاريخية، لكنها في الحقيقة، في الوقت الراهن، تترك الكثير المرغوب فيه. بالنسبة لعالم آثار ما قبل التاريخ، الذى يمكنه فقط الاعجاب بالاتجاهات العامة وعما إذا كانت التغيرات التى حدثت على مدى قرون، إذ لم يكن على مدى ألفيات، ذات أهمية، فإن تقنيات التأريخ غير الدقيقة مثل التأريخ الراديوكاربوني تكون ذات قيمة. في الاطار التاريخي للمالك النوبية فإن درجة الدقة نادراً ما تكفي لجعل هذه التقنية ذات فائدة.  التقنية الاركومغناطيسية قد تكون مصدراً ممكناً للمعلومات ذلك لفائدته بخاصة بالنسبة لتوفير تواريخ لآخر عملية حرق للفخار في الأفران، وللمواقد، أو لتأريخ الدمار الناتج عن احتراق مبنى من الطوب الأخضر حيث كانت درجات الحرارة كافية بما يحيل الطوب الأخضر إلى أحمر. على كلٍ، فإن المعطيات من قياس المباني المحروقة لا بدَّ من ربطها بمنظومة معلومات مشتقة جزئياً من ارتباطها بالمواد المؤرخة عن طريق بينة تاريخية يمكن مقارنة المعطيات الاركومغنطيسية معها. منظومة المعلومات لم يتم تجهيزها بعد بالنسبة للسودان  وتظل قائمة خطورة الانخراط في حلقة جدل دائرية.

لا شك أن التألق الحراري  ذو قيمة كبيرة، إذ يسمح بتأريخ صناعة الأواني الفخارية. الفخار بوصفه أكثر المواد الصنعية وفرة في المواقع في فترة الممالك النوبية، يقتني ميزات بحسبانه وسيلة للوصول إلى فهم لكرونولوجية السمات والترسبات التى يكتشفها علم الآثار. حتى في الحالة الراهنة للبحث في الفخار، حيث يجد المرء نفسه مفتقداً لكرونولوجيا صارمة بالنسبة لمراحل تصنيع أنواع الفخاريات المختلفة،  برغم الأبحاث التفصيلية لـ آدمز وآخرون، فإن الفخار يحمل عبء توفير كرونولوجيات  خاصة بموقعنا إلى حد بعيد. 

القيمة ذاتها هي القدرة على تأريخ الطوب المحروق عن طريق التألق الحراري. يمكن لهذا، في المستقبل، بأن يسمح بتحديد تاريخ محدد للمباني. في العديد من الحالات، كما هو الحال في سوبا، واضح أن الطوب صنع خصيصاً للاستخدام في تشييد مبنى. المباني A وB وC تحت الطرف الغربي للكوم B شيد كل واحد منها باستخدام طوب من نوع خاص. شيد المبنى A من طوب مستطيل 44-48x 18-27 سم، والمبنى B من طوب 28 سم مربع 14x28 سم، والمبنى C من طوب بلغت أبعاده 32x18 سم. على كلٍ، فإن درجة الدقة في الوقت الراهن عادة ما تكون ±%7 من عمر العينة، أي، أن التاريخ بالنسبة للمبنى المشيد بالطوب الأحمر في 650 م. يتفاوت مما قد يضع تاريخاً بين 556-744 ولا يمكن في حال ظروف مثالية أن يكون أكثر دقة من ±%5 من التاريخ (المعطيات من خدمات درهام، انجلترا). علينا انتظار تحسين التقنية.

التقنية العلمية الأخرى التى تعطي أملاً في المستقبل تتمثل في الدندروكرونولوجيا، لكن هنا أيضاً فإن المعطيات الأساسية لوضع عينات الأشجار في تاريخها النسبي الصحيح لا زالت غير متوفرة. فأشجار النخيل وهى الأكثر استخداماً لأغراض البناء في كل مراحل التاريخ النوبي، غير ملائمة، من حيث بنيتها، للتأريخ الدندروكرونولوجي. أيضاً فإن المناخ على امتداد المنطقة، مقروناً بالشح النسبي للأخشاب الصلبة، قد يكون أدى إلى الاحتفاظ بالأخشاب لفترات طويلة وإعادة استخدامها متى ما سنحت الفرصة.

من المفيد النظر لأعمال التنقيب الأخيرة في سوبا شرق، والتي يعرفها الكاتب جيداً، كدراسة حالة لتسليط الضوء على إشكاليات استخدام المعطيات الآثارية في كتابة التاريخ والعكس، إسهام البينة التاريخية في تفسير المعطيات الآثارية. تقع مملكة علوة في إطار ما يعرف بالتاريخ المبكر للمسيحية، ولذلك نادراً ما تشير المصادر التاريخية للمملكة. نمتلك القليل جداً من التواريخ التى توفرها المصادر التاريخية. 580 م. وصول المبشر لونجينوس هو التاريخ الأول، والثاني، وهو الأخير، سقوط سوبا قبيل 1504 م. في يد الفونج وعرب العبدلاب، والمسجل في تواريخ الفونج. بين هذين الحدثين المؤرخين هنالك إشارات إلى علوة توضح أنها كانت دولة كبيرة ومزدهرة في القرنين التاسع والعاشر. هنالك مؤشرات على وجود علاقات وثيقة مع أسرة المقرة في الشمال، وعلى وجود تجار مسلمين في العاصمة، ومعلومات عن طبوغرافية مدينة سوبا وأطرافها، وعن منتجاتها الزراعية وعن عاداتها، أي، انها تقاليد مماثلة لتقاليد المقريين. ما هي قيمة تلك المعلومات؟

التاريخ 580 عُد تاريخاً لإدخال المسيحية إلى المملكة لكن لونجينوس وجد مسيحيين في عاصمة علوة قدموا من أكسوم. 580 لا يمكن عده تاريخاً ختامياً مؤكداً ذلك أن أية مواد صنعية أو مبان مسيحية في المملكة، كما هو الأمر بالنسبة للتواريخ التى طرحها المؤرخون الكنسيون نفسهم بالنسبة لوصول المسيحية إلى المملكتين الشماليتين لم تكن احتمالاً هي التواريخ الأقدم لإدخال المسيحية إلى تلك المناطق.

أفضت أعمال التنقيب الآثاري التى أجراها جون جارستانج في 1909-1910 في مروي إلى الكشف عن بينة دالة على المسيحية في معبد ايزيس وطرحت فرضية بأن المعبد قد يكون أعيد استخدامه كنيسة Kirwan, 1989, p. 300. إعادة استخدام مماثلة لمعبد مروي كنيسةً في المنطقة التى قد يعتقد بخضوعها لسيطرة ملوك علوة تمت ملاحظتها في المصورات الصفراء حيث عثر في المعبد IILA  (انظر، Török, 1974, Abb. 10) فخار مطابق لنوع تم الكشف عنه في المستويات المسيحية بسوبا. يقدم الكشف عن مقابر مسيحية، واحدة ذات شكل صليبي، Hintze, 1962, pp. 195-196 ليس ببعيد إلى الشرق، دعماً إضافياً لهذه الفرضية. يمكن للمرء أن يفترض بأن مثل إعادة الاستخدام تلك للمعابد أماكن للعبادة المسيحية قد تمثل ظاهرة مبكرة ذلك أنه بالقطع لا توجد سوى بينة شحيحة لاستمرار أهمية مروي والمصورات في العصر المسيحي. لا يمكن التأكيد عما إذا كانت الكنائس - المعبد التى يرجع تاريخها إلى ما قبل 580 م.، ويجدر ملاحظة أن أشكال المصنوعات الفخارية من المعبد IRA وجدت في سوبا في محتويات تؤرخ بامتداد العصر المسيحي، لكنها نادراً ما ترتبط بالمصنوعات الفخارية المعروفة بنوع سوبا.

إذا استثنينا الحوافز الأولية لمولد المسيحية في علوة عن طريق زيارة لونجينوس، فإننا لا نمتلك معلومة عن ميكانيزم انتشار المسيحية من الملك إلى جماهير السكان. قد يكون انتشارها وسط السكان عملية بطيئة حيث بقي جسم كبير من السكان على دين الآباء. علاقة المدافن المسيحية الموجودة في جبانات ما بعد مروي، والتي اختلفت الأولى عن الثانية من حيث عادات الدفن، قد تم تقييمها عادة بوصفها متعاقبة، وافترض أن المدافن المسيحية لاحقة للمدافن ما بعد المرَّوية. مثل هذه الفرضية تمثل، على أية حال، وجهة نظر تبسيطية ولا يجوز الافتراض آلياً بأن الاختلافات في ممارسات الدفن، على الأقل في الأطوار المبكرة لانتشار المسيحية في علوة، تعكس تتابعاً كرونولوجياً. في إطار مملكة علوة فإن البينة الخاصة بالمرحلتين ما بعد المرَّوية والمسيحية محدودة بصورة متبادلة. سكان المنطقة في فترة ما بعد مروي يمكن التعرف عليهم فقط عن طريق المقابر، في حين أن التعرف على سكان المنطقة المسيحيين يكون ممكناً عن طريق الصروح الدينية الأساسية والمواقع السكنية.

مع تقادم الزمن تغلغل تأثير المسيحية في المجتمع وفي أوجه الحياة. التجلي الأقدم للتأثير المسيحي في سوبا، يمكن ملاحظته كمياً في السجل الآثاري عن طريق وجود مصنوعات نوع سوبا الفخارية، والمصنوعات الفخارية المميزة التى تحمل زخرفاً رائعاً مشتقاً من موضوعات تم التعبير عنها في الفن الجداري المستخدم لتزيين الكنائس المسيحية كما تمثل في كثدرائية فرس. لا يوجد في الفترة السابقة لمصنوعات من نوع سوبا سبباً يدعو لتوقع انعكاس للمسيحية في السجل الآثاري بعيداً عن الكنيسة والجبانة. المدافن المسيحية يمكن التعرف عليها، لكن غياب مرفقات جنائزية في المقابر، وهي سمة مميزة لها، يجعلها فاقدة لمواد صنعية نحتاج لها بصورة ماسة لتحديد التأريخ.

خلال عصر ازدهار مملكة علوة فإن المصادر التاريخية تبقى صامتة. إنها تتحدث عن سلطة المملكة وثروتها وازدهارها، وهنا حيث تتم مناقشة الجوانب العامة للثقافة أكثر من الاهتمام بأحداث معينة، يتطابق علم الآثار مع التاريخ، رغم أن البينة لا تؤخذ دائماً بقيمتها الفعلية.

حالة سوبا مثال نموذجي لهذا. كتب ابن سليم الأسواني، الذى يحتمل أن يكون قد زار سوبا بنهاية القرن العاشر، "وسوبة مدينة العلوي شرقي الجزيرة الكبرى التى بين البحرين الأبيض والأخضر في الطرف الشمالي منها عند مجتمعهما وشرقيها النهر الذى يجف ويسكن بطنه وفيها أبنية حسان ودور واسعة وكنائس كثيرة الذهب وبساتين ولها رباط فيه جماعة من المسلمين ومتملك علوة أكثر مالا من متملك المقر وأعظم جيشا وعنده من الخيل ما ليس عند المقري وبلده أخصب وأوسع والنخل والكرم عندهم يسير وأكثر حبوبهم الذرة البيضاء التى مثل الأرز منها خبزهم ومزرهم واللحم عندهم كثير لكثرة المواشي والمروج الواسعة العظيمة السعة" (اضغط لمراجعة النص الكامل). هذه إفادة واضحة سجلها مصدر تاريخي معتبر. وكان علماء الآثار في السابق، تحت تأثير ما شاهدوه من تلال غير واعدة من الطوب الأحمر والطوب الأخضر وبعض الأعمدة الجرانيتية المكسرة، قد نظروا سلبياً لملاحظات ابن سليم. ولم تفسر أعمال التنقيب التى أجراها بيتر شيني في سوبا في الأعوام 1950- 1952 Shinnie 1961 بحيث تقدم دعماً لملاحظات ابن سليم، رغم أن شيني عثر على ما اعتقد أنه أطلال قصر وعثر على كمية من الزجاج الإسلامي المستورد.

أعمال التنقيب الأخيرة التى نفذتها بعثة المعهد البريطاني في شرق أفريقيا ركزت على منطقة تقع في النهاية الغربية للكوم B، على بعد حوالي 80 متر من حفريات شيني، بهدف اختبار انتشار الطوب الأحمر، الذى يمثل صنفاً من البقايا تم التعرف عليها نتيجة موسم العمل الأول للبعثة والمجسات التى نفذتها في  1981- 1982. كان اكتشاف ثلاث كنائس، اثنتان منها بحجم كثدرائي وفق المعايير النوبية Welsby and Daniels, 1991 أمراً غير متوقع لكنه فرض مباشرة تغيراً في وضع سوبا، ومملكة علوة، بالنسبة للممالك النوبية القروسطية. هذه الحقيقة ألقت بظلال شك حول التفسيرات الحالية بشأن فقر سوبا وموثوقية ابن سليم والكتاب العرب الآخرين الذين يشيرون إلى المملكة الأقصى جنوباً بين ممالك النوبة. يقع مبنى القصر إلى الشرق مباشرة من الكنائس مضيفاً المزيد من التأكيد على وجود مبان "عامة" ذات حجم كبير في سوبا. لاحقاً أصبح من الممكن عد المبنى الذي نقبه شيني جزئياً في الكوم B قصراً كبيراً ثانياً، كما أشار إلى ذلك شيني نفسه.

مركب المباني في الكوم B، على الأقل مع المباني من الطوب الأحمر (كنائس؟) والمباني من الطوب غير المحروق، والذي يغطي مساحة ثلاثة هكتارات في وسط المدينة، يشير إلى وجود حي صروحي ضخم. تشير تنقيبات سومرس كلارك Clarke, 1912, pp. 34-38 وبيتر شينيShinnie, 1961, pp. 25-27 إلى وجود كنيسة كثدرائية أخرى في الكوم C باتجاه النهر. في الحالة الراهنة لمعرفتنا عن موقع سوبا فإننا نمتلك بينة لوجود ثلاث من الكنائس الأكبر المعروفة في السودان القديم ويظل احتمال الكشف عن المزيد من تلك الكنائس أمراً محتملاً إلى حد بعيد.

في الأطوار الأخيرة للممالك المسيحية تشير المادة التاريخية المصدرية إلى نمو دولة مستقلة، مملكة الأبواب، في التخوم الشمالية لـ علوة، احتمالاً بينها وبين مملكة المقرة. يعتقد بأن تلك الدولة انفصلت عن علوة وأن وجودها يشير إلى تضعضع سلطات حكام علوة. على أية حال، ليست لدينا فكرة عن التنظيم السياسي لمملكة علوة، سواء كانت الدولة كونفدرالية هشة لحكام صغار تحت ملك يفرض سلطانه عليهم من سوبا، أم كانت دولة تحت حكم مباشر لملك عن طريق موظفين معينيين من قبله. علم آثار علوة لازال محصوراً في آثار سوبا، عاصمة المملكة على الأقل من القرن التاسع عندما سجل اليعقوبي بأنها مقراً لملوك علوة. لا يمكننا بالتالي أن نحدد عما إذا كان لمركب علوة الثقافي سماته الخاصة المميزة المفقودة في مملكة الأبواب. على كلٍ، إذا ما كانت قد وجدت اختلافات فإن تلك من المستبعد أن تكون مرتبطة مباشرة. على كلٍ، حتى إن وجدت اختلافات فإنه من المستبعد أن تلك مرتبطة بولاء المنطقة السياسي.

تم تسجيل انهيار مملكة سوبا في التواريخ الفونجاوية، وهو مصدر اعتمد الكتابة احتمالاً فقط في أواخر القرن التاسع عشر Vantini, 1975, pp. 786-787. بالتالي فإن موثوقية المعلومات في تلك التواريخ مشكوك فيها. يبدو واضحاً من البينة الآثارية أن الكنائس في الكوم B تم هجرها بفترة معتبرة سابقة لاحتلال المدينة في تاريخ قبل 1504. قد يشير هذا إلى أن سوبا كانت مدينة إسلامية قبل سقوطها بأيدي عرب العبدلاب والفونج. تذكر التواريخ أن المدينة حولت إلى حاضرة للفونج. هذا في خلاف مع المعطيات الآثارية وإفادة ديفيد روبيني الذى زار الموقع في عام 1523 ولاحظ "أن مدينة سوبا، التى كانت أطلالاً، كانت هناك أكواخ خشبية". الفخار الفونجاوي نادر للغاية في سوبا وهو ما يلقي بظلال شك على مصداقية التواريخ الفونجاوية.

بعكس ذلك هناك مؤشر في السجل الآثاري لوقوع حدث مهم تم تسجيله في المصادر التاريخية. كانت الكنيسة الجنوبية هى الأخيرة من بين الثلاث كنائس التى شيدت في نهاية الكوم B واحتوت على صف من خمس غرف في جانب المبنى الشرقي. غض النظر عن وظيفة الغرف في الصف الشرقي، فإن عددها قد خُفض إلى ثلاث بنهاية الطور الأول- أ في الكنيسة الشمالية وأثناء الطور الأول في الكنيسة الجنوبية. وجود الصف المكون من خمس غرف في الكنيسة الجنوبية، يشير بالتالي إلى أن الغرف شيدت خلال الطور الأول- أ في الكنيسة الشمالية.

ورغم أن المبنى خطط وشيد ككنيسة، ونمتلك من الأسباب ما يكفي لافتراض أنه اكتمل وأصبح مستخدماً لفترة كمكان للعبادة المسيحية، فإنه قد هجر خلال الفترة المسيحية، وأزيل على الأقل جزئياً، وحول إلى الاستخدام لأغراض حياتية. بينة دالة على فجوة مماثلة في استخدام الكنيسة الشمالية تم الكشف عنها أيضاً. ويحتمل أن تكون أعمال النهب المكثف في فترة ما بعد المسيحية التى تعرضت لها الكنيسة المركزية قد أزالت بينة مماثلة من ذلك المبنى.

من الصعب للغاية التكهن لماذا أزيلت الكنائس، خلال وجود دولة مسيحية. المعنى الضمني أن سوبا لم تعد مسيحية في تاريخ ما في العصر الوسيط. هل كانت هناك فترة أبعد خلالها الملوك المسيحيين من السلطة؟ يظل هذا مجرد افتراض، لكن حدثاً هاماً لا بدَّ وأن يكون وراء هذه الظواهر التى تمت ملاحظتها في السجل الآثاري. إعادة بناء كل من الكنيستين الشمالية والجنوبية وفق خريطة متطابقة تشير إلى أن السبب مهما كان قد استمر لفترة قصيرة، حيث استعادت الكنيسة والدولة المسيحية مكانتهما لقرون لاحقة.

هنا تظهر ضرورة قصوى للتاريخ ليقدم العون لعلم الآثار. على كل، فإن إمكانية ظهور معطيات تاريخية جديدة يظل بعيداً، في حين أن ظهور معطيات آثارية جديدة محتمل مع كل ضربة معول.

أظهرت المناقشات أعلاه وجود بعض الصعوبات التى تواجه عالم الآثار والمؤرخ عند محاولة ربط المعطيات من فرعي المعرفة - الآثار والتاريخ. ليس ذلك بالضرورة نقصاً في علم الآثار، لكنه في العادة فشل الباحث الذى يطرح الأسئلة الخاطئة من تلك معطياته. رغم أن علم الآثار نادراً ما يوفر معلومة مناسبة لإعادة تركيب التاريخ السياسي فإنه يشكل مصدراً هاماً لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لفروع أخرى للبحث التاريخي، التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وتاريخ الفن، وتاريخ المعمار.

الكشف عن الأدوات الصنعية التى تحتوي كلمات مكتوبة تمثل وسيلة مباشرة يسهم بها علم الآثار في البحث التاريخي. بفضل الظروف المناخية الملائمة، بخاصة في الأطراف الشمالية البعيدة للنوبة، يمكن للبرديات والمخطوطات أن تبقى في حالة حفظ جيدة وأن اللقيا المثيرة لمثل هذه المواد في قصر إبريم، والتى تمثل في حد ذاتها مركزاً سياسياً أساسياً في العصر الوسيط، تضع أملاً في الكشف عن المزيد من الوثائق التاريخية التى يحتمل أن تقدم إسهاماً كبيراً في فهمنا لتاريخ النوبة. إن قصر إبريم يمثل موقعاً متفرداً في النوبة الشمالية لكونه تفادى الغرق تحت مياه بحيرة ناصر. ابعد إلى الجنوب تصبح الظروف المناخية تدريجياً أقل ملائمة بالنسبة لحفظ المواد العضوية مع بقاء الخطر الذى يسببه النمل الأبيض (الأرضة) الجائع.

في الوقت الحالي تعمل عدة بعثات بنشاط في دراسة النوبة القروسطية. أعمال التنقيب طويلة المدى الزمني التى تنفذها البعثة البولندية في دنقلا العجوز، وهو مشروع يبلغ عمره حالياً 26 عاماً، لازالت مستمرة وقد أسهمت بقدر معتبر في فهمنا، بخاصة فيما يتعلق بالمعمار الكنسي النوبي. العمل الجاري مؤخراً في الحي الصناعي في دنقلا العجوز يجد ترحيباً خاصاً ولا بدَّ أن تقدم نتائج التنقيب في أفران الفخار مفاتيح تمكن من إحداث دراسة تفصيلية لفخار النوبة الوسطى. فقط على بعد القليل من الكيلو مترات إلى الشمال من دنقلا العجوز بدأت البعثة الكندية، بعد موسمين من مسح آثاري لامتداد 80 كيلو متر على الضفة الشرقية للنيل في الفترة 1984- 1986 Grzymski, 1987، في تنقيب موقع غير واضح المعالم في همبكول والذي يمكن أن يعطينا فكرة عن طبيعة المدينة العاصمة ومحيطها المباشر.

فوق ذلك فإن المشروع الكندي صمم "لإجراء دراسة معمقة للتطور الثقافي لموقع سكني تراتبى" Grzymski 1988, p. 2 في منطقة تحمل بينة دالة على إقامة مرَّوية أخرى أقدم بالإضافة للصروح المسيحية في المنطقة المحيطة.

لازال عمل مستمر التنقيب في سوبا بعد ثلاثة مواسم تمت خلالها محاولة للتنقيب في عدة مناطق ذات تاريخ وطبيعة مختلفة في المدينة بهدف توفير تقييم أكثر اتزاناً لتطور الموقع وخريطته وتاريخه. أهمية خاصة تكتسبها البينة التى تم الكشف عنها خلال أعمال المسح المبدئية والمجسات في الموقع  1981- 1983، ذلك أن المدينة حققت امتدادها الأقصى في العصر الوسيط المبكر، في وقت كان فيه الفخار المتميز المطلي بألوان متعددة والمعروف باسم فخار نوع سوبا في الاستخدام. في الوضع الراهن لمعرفتنا فإن المساكن ارتبطت فيما يبدو بحفر أعمدة لمبان من القش. طبيعة المباني، التى وجدت بكثرة تحت الكنائس في النهاية الغربية للكوم B، تظل غير واضحة. قد تعكس، احتمالاً، تقاليد معمار من القش في تناقض مع المباني من الحجر والطوب الأحمر والطوب غير المحروق الخاصة بالطورين المرَّوي والمسيحي لمواقع السودان الأوسط. إذا كانت المصنوعات الفخارية الرائعة من نوع سوبا تعكس ارتفاع قيمة شرائها في السوق، فإن وجودها قد يشير إلى أن المباني من القش لم تكن مساكن للطبقات الأكثر فقراً في مجتمع علوة.

سبق أن أشرت إلى عمل الوحدة الفرنسية في الهوبجي. آخذين في الحسبان امتداد الممالك النوبية ومحدودية البحث الآثاري فيها، بخاصة في النوبة الوسطى والجنوبية، فإن الفجوات المعرفية تظل هائلة.

ما هي الإشكاليات الأساسية التى تواجه الدارس للنوبة القروسطية والتي يمكن تسليط الضوء عليها عن طريق البحث الآثاري؟ بالطبع عديدة تلك الإشكاليات وتعتمد الأهمية النسبية التى يمكن إلصاقها بها إلى حد بعيد على الاهتمام الشخصي للباحث المعني. في النوبة الشمالية اختفى جزء كبير من نوباديا تحت مياه بحيرة ناصر باستثناء قصر إبريم، وينحصر البحث الآثاري في دراسات ما بعد أعمال التنقيب. في النوبة الوسطى والجنوبية فإن التفاوت بين عدد المواقع والتي يمكننا افتراض أنها كانت مأهولة في العصر الوسيط، وبين الأعداد القليلة للغاية للمواقع التى تم بالفعل اختبارها آثارياً، هو ما يجعل أية استنتاجات يمكن استخلاصها من المعطيات المتوفرة تجريبية للغاية. قاعدة المعلومات في الوقت الراهن محدودة للغاية وأن العلاقة بين المعطيات من مواقع مختلفة، عادة متباعدة بعضها عن الآخر، تظل تنطوي على إشكالية.

ما هو إذن الاتجاه المستقبلي للبحث في علم آثار النوبة القروسطية؟ هناك ظاهرة بادية تحتاج إلى الاهتمام. تنحصر هذه في الضرورة المطلقة لنشر نتائج البحث الآثاري بسرعة وبتفصيل. التقارير المبدئية هامة، لكنها ليست بحال بديلاً عن التقرير النهائي الذى يقدم البينة من الموقع كاملة بتفصيل.

يصبح النشر أكثر إشكالية. انه مكلف مع ملاحظة أن المؤسسات الممولة، التى تجذبها أعمال التنقيب الأكثر "فتنة"، تتردد عادة في تقديم منح لمشاريع نشر نتائج ما بعد التنقيب والتي تمتد لفترات أطول من مشاريع العمل الميداني. هناك أيضاً، فيما يبدو، الخوف من ملامسة القلم للورق لتسطير تقرير "محدد" في الوقت الذى لا يزال فيه العمل جارياً. على أية حال، بالنسبة للمواقع الأساسية، حيث يتوقع استمرار العمل لعقود، فإن التقارير النهائية لا يمكن تأجيلها إلى ما لا نهاية. أي تقرير آثاري حيث يكون أقل من الموقع "بكامله" قد نقب، لهو مجرد إفادة مبدئية، لكن إذا كان العمل قد نُفذ بصورة جيدة ونشرت المواد بتفصيل، رغم أن الاستنتاجات والتفسيرات يمكن تعديلها بفعل العمل اللاحق، فإن قيمة ما ينشر ستظل إلى الأبد.

جرت مناقشات، في الجلسة الختامية لمؤتمر أوبسالا، حول الميزات النسبية لعلم الآثار الإنقاذي في مواجهة أعمال التنقيب البحثية. الأمثل بالطبع الاعتراف بأهمية نوعي البحث وضرورتهما، لكن لا يتوفر القدر الكافي من المال للنوعين من البحث الميداني، هكذا واقع الحال في بريطانيا وغيرها كما هو الحال بالنسبة للسودان. العديد من أعمال التنقيب البحثي في السودان هي أيضاً، إلى حد ما، محكومة بالتهديد المباشر أو بضرورة إبداء الاهتمام الجاد بصيانة المواقع تحت مسئولية مصلحة الآثار. مع ذلك، فإنه يصعب تبرير أعمال التنقيب ذات الأهداف البحثية المحضة في الوقت الذى تتعرض فيه المواقع الآثارية على ضفتي النيل للخطر بفعل التوسع الزراعي والانتهاكات السكنية، وفوق كل ذلك التدمير الكامن الماثل أمامنا لقطاع كبير من وادي النيل، في منطقة الجندل الرابع. بالتركيز على المواقع المعروفة مسبقاً بالنسبة لنا، والمحمية إلى حد ما، فإننا نجازف بفقدان مواقع مرة وإلى الأبد، والتي لا نعرف عنها شيئاً. التفاوت بين معرفتنا بالجغرافية البشرية للنوبة الشمالية في كل العصور وبين النوبة الوسطى والجنوبية مستفيدين من المسوحات التفصيلية التى ارتبطت بتشييد خزانات أسوان، يمثل مؤشراً لكم المعلومات الموجودة وإلى حد ما إلى تلك التى يمكن أن تكون متوفرة.

الأمثل هو ترافق علم الآثار المسحي/ الإنقاذي مع التنقيبات البحثية. أعمال التنقيب البحثية يمكنها أن توفر عندها التواترات المؤرخة للأدوات الصنعية الضرورية للغاية للسماح لنا بالتعرف على أهمية المواقع الواقعة في مدى أعمال المسح والمكتشفة عن طريق التنقيب.

اليوم فإن التباين في معرفتنا بالنوبة القروسطية يعكس دافع البحث الآثاري بالتالي تمركز الثقل باتجاه النوبة الشمالية الأقصى. كما تمت الإشارة مراراً في المناقشات حول النوبة، الشمال والجنوب هو مناقشة العمل الآثاري في المنطقتين أكثر منها مناقشة الاختلافات في أنماط السكن في العصر الوسيط. إذا فشلنا في مواجهة التحدي الذى يفرضه التهديد للموروث الآثاري في النوبة الوسطى والجنوبية فإننا نخاطر بأن يبقى التباين في معرفتنا بالنوبة، الشمال والجنوب، في كل المراحل، راسخاً في أعماقنا وفي أجيال المستقبل إلى الأبد.

يود الكاتب أن يعبر عن شكره لكل من اللسون جونز، ودانيل ادواردز، ومادوكس لتفضلهم بقراءة مخطوطات سابقة لهذا النص وإدخال عدد من الملاحظات المفيدة. مع ذلك فإن الآراء المعبر عنها خاصة بالكاتب وحده.

Adams W.Y. 1965, 'Sudan Antiquities Service Excavations at Meinarti, 1963-1964', in: Kush XIII, pp. 148-176.
Adams W.Y. 1977, Nubia: Corridor to Africa, Princeton.
Adams W.Y1987, 'Three perspectives on the Past: The Historian, the Art Historian, and the Prehistorian' (Comments on Session II), in: Nubian Culture, pp. 285-291.
Allason-Jones L.1991, 'Small objects from the western end of mound B,' in: Welsby and Daniels (eds.), Archaeological Research at a Medieval Capital on the Blue Nile (BIEA), Monograph series, N° 12, London: 126-157.
Clarke S. 1912, Christian Antiquities in the Nile Valley, Oxford.
Crawford O.G.S. - Addison F. 1951, Abu Geili and Saqadi and Dar el Mek, London.
Emery W.B. - Kirwan L.P. 1938, The Royal Tombs at Ballana and Qustol, Cairo.
Grzymski K. 1987, Archaeological Reconnaissance in Upper Nubia, SSEA Publications, XIV, Toronto.
Grzymski K. 1988, 'Canadian Expedition to Nubia', in: Bulletin VIII (2), pp. 1-5.
Hintze F. 1962, Preliminary Report on the Excavations at Musawwarat, in: Kush X: 170-202.
Jakobielski S. 1972, Faras IIL A History of the Bishophric of Pachoras, War­szawa.
Jakobielski S. 1991, 'The Inscriptions, Ostraca and Graffiti', in: Welsby and Daniels(eds.), Archaeological Research at a Medieval Capital on the Blue Nile (BIEA), Monograph series, N° 12, London: 274-296.
Kirwan L.P. 1987, 'The Birth of Christian Nubia: Some Archaeological Problems', in: Revista degli Studi Orientali, LVIII, fasc. I­IV, 1984.
Kirwan L.P. 1989, Meroe, Soba and the Kingdom of Alwa, in: Meroitica 10: 299-304.
Munro-Hay S. 1989,Excavations at Axum, British Institute in Eastern Africa (BIEA), Monograph series N° 10, London.
Shinnie P.L. 1961,Excavations at Soba, in: SASOP 3, Khartoum.
Török L. 1974, 'Ein Christianisiertes Tempelgebaude in Musawwarat es Sufra (Sudan)', in: Acta Archaeologica Academiae Scienta­rum Hungaricae 26: 71-103.
Vantini G. 1975, Oriental Sources concerning Nubia, Heidelberg and War­saw.
Welsby D.A. - Daniels C.M. 1991 (eds.), SOBA: Archaeological Research at a Medieval Capital on the Blue Nile (BIEA), Monograph series, N° 12, London.
Zurawski B. 1986, 'Bishop's Tombs in Faras', in: Nubische Studien: 413-418


للنص الإنجليزي أضغط هنا                                                                                تاريخ ما بعد مروي وأركيولوجيته



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق